عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /01-05-2011   #16

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 16

مزاجي:
افتراضي

الفصل الرابع
1

كان قد مضى أسبوع عندما أخبرتني بارتريدج أن السيدة بيكر تريد التحدث إلي قليلاً .
لم يبد لي اسم السيد بيكر مألوفاً على الإطلاق .
تساءلت في تحير : " من الآنسة بيكر , ألا يمكنها التحدث مع الآنسة جوانا ؟ "
ولكن علمت أنها لا تريد أن تتحدث معي أنا بالذات , ثم علمت فيما بعد أن السيدة بيكر هي والدة الفتاة بياترس .
كانت بياترس قد غابت عن ذهني تماماً , ولم أنتبه لهذا إلا عندما رأيت تلك المرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً , ونال الشيب من بعض خصلات شعرها , والتي كانت جاثية على ركبتيها تغسل أرضية الحمام والسلالم والردهات . ولقد أدركت أنها الخادمة الجديدة . ولولا تلك المرأة لما خطرت بياترس بذهني أبداً .
ولم أستطع أن أرفض مقابلة والدة بياترس , خاصة بعد أن علمت بأن جوانا ليست موجودة في المنزل , ولكنني أعترف بأنني كنت أشعر ببعض الضيق حيال هذا الأمر.
ولقد كنت آمل بشدة ألا أتهم بالتلاعب بعواطف بياترس .
وأخذت ألعن في داخلي تلك التصرفات السخيفة التي يقوم بها كاتب هذه الرسائل المجهولة , ولكنني لم أفعل شيئاً إلا أن أطلب من بارتريدج أن تحضر والدة بياترس لمقابلتي .
كانت السيدة بيكر ضخمة الجثة طويلة القامة , وكانت تتحدث بسرعة شديدة . ولكنني شعرت بالكثير من الراحة عندما لم ألمح في صوتها أي نبرة غضب أو اتهام . بدأت السيدة بيكر الحديث ما أن انغلق باب الغرفة خلف بارتريدج قائلة : " أرجو يا سيدي أن تغفر لي جرأتي في طلب مقابلتك . ولكنني ظننت يا سيدي أنك الشخص المناسب الذي ينبغي أن آتي إليه ، ولسوف أكون شاكرة إذا ما كنت ستنصحني بما ينبغي عمله في ظل هذه الظروف الراهنة ، لأنه في رأيي يا سيدي لا بد من القيام بشيء ما في هذا الصدد ، وإنني لست من هؤلاء الناس الذين يتركون الأمور تتفاقم ، وما أقوله هنا هو أنه لا فائدة من الشكوى والتذمر ، وإنما لا بد من ترك الكلام والبدء في الفعل كما قال رجل الدين الأسبوع قبل الماضي . "
شعرت ببعض الحيرة لأنني أحست كأن هناك شيئاً أساسياً فاتني أن أفهمه في هذه المحادثة .
قلت لها : " بكل سرور , ألن تتفضلي بالجلوس يا سيدة بيكر ؟ إنني سوف أسعد بتقديم العون لك . "
ثم صمت للحظة منتظراً منها أن تجلس .
وجلست السيدة بيكر على حافة مقعدها بعد أن قالت : " أشكرك يا سيدي , إن هذا تصرف في غاية الكرم من جانبك يا سيدي . وإنني في غاية السعادة لأنني أتيت لمقابلتك , ولقد قلت هذا لـ بياترس عندما كانت تبكي في فراشها , لقد قلت لها إن السيد بيرتون سوف يعرف ما ينبغي عمله , فهو سيد مهذب قادم من لندن . ولا بد بالفعل من عمل شيء ما , ما بال هؤلاء الشباب المندفعين الذين لا يصغون إلى صوت العقل , ولا يصغون إلى أي كلمة تقولها فتاة ؟ وعلى كل حال لقد قلت لبياترس إنني لو كنت مكانها لفعلت كا ما في وسعي لكي أنتقم منه , وماذا عن تلك التاة في الطاحونة ؟ "
ازدادت حيرتي مع كلامها , فقلت : " معذرة , ولكنني لا أفهم , ما الذي حدث ؟ "
" إنها الخطابات يا سيدي , خطابات بذيئة . وغير لائقة كذلك . وبها كلمات سيئة ومثير للاشمئزاز بشدة . "
وهنا استرجعت شريط الأحداث في ذهني وتكشفت لي الأمور ؛ فقلت لها بيأس : " هل تلقت ابنتك المزيد من الرسائل ؟ "
ليست هي يا سيدي , هي لم تتلق إلا رسالة واحدة . تلك الرسالة التي كانت سبب رحيلها من هذا المنزل . "
قلت لها : " لم يكن هناك ما يدعو لأن ــ ! " , إلا أن السيدة بيكر قاطعتني بأسلوب حازم ولكنه مهذب وقالت : " لا داعي لأن تكمل يا سيدي , إن كل ما جاء في هذه الخطابات لا يعدو أن يكون بعض الأكاذيب الدنيئة . إنك يا سيدي لست من هذا النوع من الرجال , لقد أكدت الآنسة بارتريدج هذا ـ ولقد لمست هذا بنفسي . ما هي إلا أكاذيب حقيرة , ولكني قلت إنه من الأفضل أن تغادر بياترس المنزل لأنك تعرف جيداً ما يقال يا سيدي , إن الناس سيقولون لا دخان بلا نار , ولقد انزعجت الفتاة بشدة , لقد وافقت بياترس عندما رفضت المجيء إلى هنا ثانية , رغمم أن كلينا قد شعر بالأسف للارتباك الذي سببناه لكم بهذا . "
توقفت السيدة بيكر قليلاً وأخذت نفساً عميقاً ثم قالت بعد جهد : " ولقد كنت آمل أن يوقف هذا التصرف هذه الشائعات الحقيرة . ولكن جورج عامل الممرآب , وهو خطيب بياترس , قد تلقى واحدة من هذه الرسائل التي تفتري على ابنتي بياترس افتراءً فظيعاً , وكيف أنها على علاقة آثمة مع توم ابن فريد ليد بيترز ... وأؤكد لك يا سيدي أن ابنتي لم تقترف أبداً شيئاً ينافي الذوق والأخلاق . "
وهنا بدأ رأسي يطن ، فلقد زاد الأمر تعقيداً بظهور قصة توم ليد بيترز هذا .
قلت لها امنحيني فرصة لكي أستوعب هذا الأمر جيداً ، لقد تلقى خطيب بياترس رسالة مجهولة المصدر تتهم بياترس بتورطها في علاقة مع شاب آخر، أليس كذلك؟
" هذا صحيح يا سيدي – ولقد كانت رسالة بعيدة كل البعد عن التهذيب ، ولقد كانت مليئة بألفاظ بذيئة أثارت جنون جورج ، فجاء مسرعاً إلى بياترس وقال لها إنه لا يقبل أبداً هذا التصرف من جانبها ، ويرفض بأن تواعد رجالاً آخرين من وراء ظهره ... وعندما أخبرته أن هذا كذب حقير ، قال لها : " لا دخان بلا نار ." ، واندفع خارجاً من المنزل في غاية الغضب ، وبدت التعاسة على بياترس المسكينة . وعندها قلت لها إني سوف أرتدي قبعتي وأذهب لمقابلتك يا سيدي ... "
صمتت السيدة بيكر متوقعة مني أن أرد عليها تماماً كما يتوقع الكلب الحصول على جائزة بعد أن يؤدي حركة جيدة . ولكنني سألتها : " ولكن لماذا لماذا أتيتي إلي أنا بالذات ؟ "
" لقد علمت يا سيدي أنك تلقيت واحدة من هذه الرسائل الدنيئة , ولقد فكرت في أنك تعرف ـ وأنت القادم من لندن ـ ما الذي يتوجب فعله لعلاج هذا الأمر ؟ "
قلت لها : " لو كنت مكانكي لذهبت إلى الشرطة ؛ فلابد من وضع حد لهذا الأمر . "
نظرت لي السيدة بيكر وعلى وجهها أمارات الصدمة وقالت : " كلا يا سيدي , لا أستطيع أن أذهب للشرطة . "
" ولِم لا ؟ "
" لم يسبق لي أن تعاملت مع الشرطة , ولا أي أحد من عائلتي كذلك . "
" قد يكون هذا صحيحاً , ولكن الشرطة فقط هي من تستطيع أن تضع حداً لهذا الأمر , فهم موكلون بهذا . "
" هل أذهب إلى بيرت راندل ؟ "
كنت قد علمت أن بيرت راندل هو أحد رجال الشرطة .
" لابد أن هناك رقيباً أو مفتشاً في قسم الشرطة . "
" أنا أذهب إلى قسم الشرطة . "
قالتها السيدة بيكر بصوت خافت جعلني أشعر بالضيق " هذه هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها لك . ط
صمتت السيدة بيكر وكان واضحاً أنها لم تقتنع بكلامي . ثم قالت بحزم وصرامة : " لابد لهذه الرسائل أن تتوقف يا سيدي , يجب أن تتوقف , وإلا سوف تحدث مصيبة عاجلاً أم آجلاً . "
قلت لها : " أعتقد أن المصيبة قد وقعت بالفعل ؟ "
" إنني أعني العنف يا سيدي , هؤلاء الشباب تنتابهم المشاعر العنيفة ـ وكذلك الرجال الكبار . "
سألتها : " هل هناك الكثير من هذه الرسائل وصلت إلى الناس في هذه البلدة ؟ "
أومأت السيدة بيكر بالإيجاب , وقالت : " إن الأمر يزداد سوءاً على سوء يا سيدي . فمثلاً , السيد بيدل وزوجته , اللذان كانا يعيشان في سعادة وهناء في منطقة بلوبور ـ والآن بعد أن تلقى السيد بيدل هذه الرسائل بدأ يفكر في أمور سيئة يا سيدي . "
ملت بجسدي للأمام وقلت لها : " سيدة بيكر هل لديك أية فكرة عن هوية كاتب هذه الرسائل المجهولة ؟ "
ولدهشتي الشديدة كالت برأسها للأمام . قالت : " كلنا لديه فكرة يا سيدي , كلنا يعرف بالظبط من يفعل هذا , من هو ذلك الآثم ؟ "
فكرت أنها تتردد في ذكر اسم معين , ولكنها أجابت بصراحة : " إنها السيدة كليت ـ هذا هو ما نحن جميعاً متأكدون منه ـ إنها كليت ولا شك . "
لقد سمعت الكثير من الأسماء الغريبة هذا الصباح .
ولقد اكتشفت أن السيدة كليت زوجة لرجل كهل يعمل بستانياً . وكانت تعيش في كوخ على طريق الطاحونة . إلا أنني لم أجد أي إجابات مرضية عنها . ولما سألتها لماذا تقدم السيدة كليت على فعل هذا أجابتني قائلة : " لأن هذا هو من صفاتها الشخصية . "
وفي النهاية تركتها تذهب بعد أن كررت لها نصيحتي بالذهاب للشرطة , والتي كنت متأكداً من أنها لن تأخذ بها . ولقد تركتني وأنا اشعر بأنني خذلتها بشكل ما .
وفكرت ملياً فيما قالته . فرغم غموض هذا الدليل الذي ساقته السيدة بيكر , أحسست بقبول فكرة أنه إذا ما اتفقت القرية كلها على أن السيدة كليت هي كاتبة هذه الخطابات فلابد أنهم محقون : وقررت أن أستشير جريفيث في هذا الأمر . فلابد أنه يعرف هذه المرأة المدعوة كليت , وإذا قبل نصيحتي فسأستطيع أنا أو هو أن نخبر الشرطة بأن هذه المرأة هي سبب كل الإزعاج الذي نشعر به .
وذهبت إلى جريفيث في الوقت الذي افترضت فيه أنه سيكون قد انتهى من عملياته الجراحية . وعندما خرج المريض الأخير من عنده , دلفت على غرفة الجراحة .
" مرحباً , أهذا أنت يا بيرتون ؟ "
" نعم , أريد أن أتحدث إليك . "
لخصت له محادثتي مع السيدة بيكر إلى أن انتيهيت إلى اتهامها للسيدة كليت بأنها السبب في هذا الأمر .
إلا أنني أصبت بالإحباط عندما هز جريفيث رأسه قائلاً : " ليس الأمر بهذه البساطة . "
" ألا تظن أن تلك المرأة المدعوة كليت هي السبب في هذا كله ؟ "
" ربما كانت بالفعل , ولكنني أستبعد هذا الاحتمال . "
" إذن لماذا يتهمها الجميع بهذا ؟ "
ابتسم قائلاً : " إنك لا تفهم . إن السيدة كليت تعتبر الساحرة الشريرة في القرية . "
صحت متعجباً : " يا إلهي الرحيم ! "
" نعم , هذا الكلام يبدو غريباً في وقتنا هذا , إلا أن هذا هو الواقع بالفعل . هناك اعتقادات راسخة تقول أن هناك بعض الأشخاص الذين ليس من الحكمة أن تهينهم . إن السيدة كليت تنتمي إلى أسرة من (( النساء الحكيمات )) , ولقد بذلت جهداً كبيراً كي تنشر هذه الأسطورة وتنميها . إنها امرأة شاذة الطباع وذات روح دعابة عالية . إنها قد لا تظهر أي قدر من التعاطف إذا ما حدث على سبيل المثال أن قطع طفل إصبعه أو سقط بشدة على الأرض أو أصيب بداء النكاف , فكل ما قد تفعله هو أن تهز رأسها قائلة : " هذا أفضل , فقد سرق تفاحاتي الأسبوع الماضي . " أو " لقد جذب ذيل قطتي . " . ومع الوقت بدأت الأمهات تبعدن أطفالهن عنها , وبعضهن بدأن في إهداءها العسل والكعك حتى يأمن ألا تتمنى المرض لأطفالهن . إنه لأمر خرافي وسخيف ولكنه حقيقي . ولذا فمن الطبيعي أن يعتقد أنها سبب كل هذا . "
" ولكن أليست هي كذلك ؟ "
" كلا ـ إنها ليست من هذا النوع ... ليس الأمر بهذه البساطة . "
نظرت له بفضول وقلت له : " أليس لديك أية فكرة ؟ "
أخذ يهز رأسه ولكن عيناه كانتا شاردتين وقال : " كلا ليس لدي أي فكرة , ولكن هذا الأمر لا يروقني يا بيرتون ــ هناك سوء كبير سوف ينجم عن هذا الأمر . "
يتبع..........


_________________












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس