أجد نفسي مضطرا للمشاركة بسبب الإلتزام والواجب الذي أحس به تجاه هذا الموضوع مع أنني لست في أحسن حالات الصفاء الذهني اللازمة لذلك .
في الحقيقة أرى أن هناك ضبابية وعدم وضوح وتداخل في مفردات البحث لعلي أحاول تفكيكها إلى وحدات وعناصر مكونة للموضوع على النحو التالي :
1- العلم هو إكتساب معرفة في مجال من مجالات الحياة وهذا العلم يكتسبة الإنسان من مصادر متعددة أحدها الدراسة بغض النظر عن حصول المرء على شهادة في هذا المجال أم لا وقد تكون تلك المعرفة عملية أو نظرية .
2- الثقافة هي فهم الإنسان لتفاصيل جانب من جوانب المعرفة أو أكثر مع فهم لمحتويات هذا الجانب من المعرفة ومدلولاته وإنعكاس تلك المعرفة على سلوك الإنسان في الحياة .
3- الخريج وحامل الشهادة : هو الشخص الذي حصل على وثيقة مكتوبة تثبت أن هذا الشخص قد إجتاز بنجاح الإمتحانات التي تشير إلى إمتلاكه قدر معين من المعلومات في مجال من المجالات , وهذا لا يعني أنه فهم تلك المعارف , ولا يعني أنه في مستوى يمكنه من الإستفادة من تلك المعارف أو أنها ستنعكس على سلوكه في الحياة فهي على وجه التحديد هي إعتراف بمستوى معين من المعارف لدى ذلك الشخص.
لابد أن نفرق أنه ليس كل حامل شهادة مثقف !!!
وأن ليس كل حامل شهادة ناجح في الحياة العملية في مجال الشهادة التي يحملها !!!!!!!
وأن حمل شهادة ما حتى ولو كانت دكتوراة هي ليست إثبات تفوق أو إبداع !!!!!!!!!
الإبداع هو موهبة إستثنائية لدى شخص لدى شخص ما و في مجال ما , هي بالأساس صفة فطرية وقدرات كامنة لدى الشخص قد تظهر بالصقل والتصميم والإهتمام والمتابعة وتوفر الظروف لظهور تلك الموهبة .
نحن لدينا خلل بنيوي في مجتمعاتنا وفي ثقافتنا الجمعية وفي تربيتنا في بيوتنا وفي قيم مجتمعنا وبالأخص في مناهج تعليمنا وفي ظروفنا الإجتماعية والإقتصادية تؤدي كلها بالنتيجة إلى هذا التناقض والخلط بين المصطلحات والمفاهيم .
سأوضح ذلك ليس لدينا القدرة أو الرغبة في أسرنا أو في مؤسساتنا التعليمية بسبب أساليب التعليم البالية لتمكننا من الإكتشاف المبكر لقدرات وميول الطفل ( لأن كل إنسان مهما كان يكون لديه ميل وتفوق وقدرة على التميز في جانب من جوانب الحياة ) بحيث يتم إكتشاف ذلك وتوجيه الطفل وتنمية مواهبه في الجانب الذي يظهر تفوقا فيه .
في كثير من الدول هناك مدارس وفصول خاصة بالمتفوقين وفي مجالات مختلفة ولهم مناهج دراسية مختلفة , بينما نحن ليس لدينا سوى التعليم العام .
كما لدينا خلل في عملية بناء المعلم .
المعلم هذه الشخصية الهامة لا تلقى الرعاية والإهتمام والإحترام والبناء الصحيح .
والمعضلة الثانية هي في المناهج وطريقة التعليم التي تعتمد أساسا على التلقين وعلى حشو المعلومات النظرية التي ينسى الخريج 90 % منها بعد 3 أشهر من تخرجة , وينسى ال 10 % الباقية عندما يعين مهندس زراعي مثلا في إدارة الأوقاف مثلا !!!!
المشكلة الأخرى هي أنه وبسبب الظروف الإجتماعية والإقتصادية والثقافة المجتمعية فإن إتجاه الأفراد لإختيار نوع دراساتهم الجامعية وحتى بعد الجامعية تحددها تلك المؤثرات وليس الرغبة والقدرات والميول عند الشخص .
سأضرب لكم مثلا : يتطلب دخول كلية الطب مثلا الحصول على معدل 98 % في فحص الثانوية العامة .
لنفرض أن 100 طالب حصلوا على هذا المعدل الذي يؤهلهم لدخول كلية الطب طبعا لهؤلاء رغبات وميول حقيقية مختلفة تشمل كافة جوانب المعرفة .
كم من هؤلاء سيدخل الكلية التي يميل إليها أو يحبها ؟ أؤكد أن أكثر من 99 % من هؤلاء سيدخلون كلية الطب بغض النظر عن ميولهم ورغباتهم , وهكذا دواليك حيث أن الفرع يقرره في الغالب المعدل وليس الرغبة .
بالمناسبة في كثير من الجامعات العالمية هناك فحوص مقابلة للقبول وليس المعدل هو العامل الوحيد الذي يحدد القبول .
نقطة أخرى هي أن هناك فرق بين النجاح والتميز في مجال ما وبين الإبداع ؟؟؟
النجاح والتميز هو مستوى من الأداء في مجال من المجالات يتقدم فيه الإنسان على أقرانه وينال رضى رؤسائه والمستفيدين من خدمات هذا الشخص , أو يحقق هو هذه الفائدة لنفسه .
بينما الإبداع هو إيجاد منتج فكري أو مادي لم يكن موجودا بالأصل أو إشتقاقا من أصل موجود أو تطوير وتحسين لمنتج موجود .
وعلى هذا نرى بسبب كل ما شرحناه أن هناك تداخلا بين مفاهيم مصطلحات العلم , والثقافة , والشهادة , والإبداع , والنجاح والفشل .... الخ
وهذا يقودنا إلى أصل المشاركة وهو التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ووسائل المعرفة والإتصال الحديثة .
تلك المخترعات والوسائل أصبحت متاحة وفي متناول الجميع هذا أولا .
ثانيا , إن الإحتكاك والتعامل والإستفادة من تلك الوسائل قضية شخصية بحتة لا علاقة لها بالشهادة , ولا المستوى العلمي والثقافي للإنسان مع ملاحظة أن عمر تلك الوسائل وتوفرها للمستخدمين لا يتجاوز بضع سنين وهنا يتساوى الجميع في فرص التعامل والإحتكاك معها .
وهنا تنشأ إشكالية حديثة أوجدتها تلك الوسائل وهي وجود تعاريف جديدة لتعريف الأمية !!!!!
كثير من الدول , ومن هيئات الدراسات والإحصاءات العالمية , ومن منظمات الأمم المتحدة بدأت تعرف الأمية بمدى قدرة الشخص ومستوى تعامله مع الإنترنت ووسائل الإتصال والمعلومات الأخرى , وبهذا الشكل نستطيع أن نقترب من فهم الموضوع الذي نبحثه .
مثلا رجل يحمل دكتوراة بغض النظر عن المجال ولا يستطيع أن يستخدم الكمبيوتر , ولا يستطيع أن يكتب نصا على الكيبورد ولا يعرف أن يبحث عن معلومة على النت , ولا يتمكن من إرسال رسالة إيميل وهؤلاء كثر جدا , ماذا نقول عنهم ؟
بينما هناك أناس لا يكادون يتقنون القراءة والكتابة يستخدمون الشبكة بيسر ويستطيعون البحث عن أي معلومة يريدونها ويمكنهم التواصل بحرية مع الآخرين عبر الإيميل والفيسبوك ....
الأول حامل الدكتوراة بحق هو أمي في هذا الجانب ,حسب التعريف , والثاني متعلم .
نعود لحملة الشهادات هؤلاء على الغالب تجاوزوا الأربعين من العمر , ولديهم مشاغل ومسئوليات وإستقروا في حياتهم وعملهم على نهج وصورة معينة ( خاصة في بلادنا التي لا تضطر المرء لتحديث معلوماته سنويا ومواكبة كل جديد في مجاله كما هو في كل دول العالم ) حيث أنه حتى المدرس في الجامعة يدرس نفس الكتاب والمنهج الذي كان يدرسه قبل 15- 20 عاما !!!!!!!
هؤلاء لا يشعرون بالحاجة الملحة للتعامل مع الوسائل الحديثة , أو على الغالب يكون لديهم من مرؤسيهم من يتعامل مع تلك الوسائل ويقدم لهم المعلومات جاهزة .
الأمر الثاني هو الدفاع والرفض الداخلي الناجم عن الثقة الكاذبة بالنفس والترفع عن العودة إلى مبتدئين لتعلم أساسيات الوسائل الحديثة مع الشباب أو التعلم منهم على حد سواء , أو الإنخراط في دورات في هذا المجال .
هناك أمر آخر قد يكون له دور ثانوي وهو أن هؤلاء لديهم من مشاغل العمل والحياة ما قد لا يتيح لهم مجالا لمتابعة تلك الوسائل وإن إستخدموها فهم يستخدمونها بالحد الأدنى الذي يحتاجونه في الأمور الأساسية .
على عكس ذلك أكثر الناس الذين ليس لديهم ( شهادات ) يرون في الشبكة والوسائل الأخرى فرصة لهم لكسب المعارف بأنفسهم , وفرصة لهم للتعرف على كل شيء بوسائل رخيصة وغير مكلفة , وبمجهوداتهم الذاتية وبعيدا عن أعين الناس وبنفس الوقت هذه الوسائل المتاحة توفر لهم قدر جيد من المعرفة ومشاعر الثقة بالنفس وبأنهم على مستوى العصر بالإضافة إلى التنوع الهائل لما هو متاح الذي يشبع الحاجات والميول المختلفة لدى كل الناس .
ولذا لا أستغرب أن تكون نسبة الذين يستخدمون الشبكة والوسائل الأخرى لدى أصحاب الشهادات أقل منها لدى الآخرين .
لدينا في منتدانا مثال رائع لعلم من أعلام البوخابور يحبه الجميع ويحترمه الجميع و ويفخر به الجميع الرجل العصامي هوأبو فهد
تحدثني منى عن مدى سعادتها وسرورها لدى رؤيتها إطلالة الأخ أبو فهد على صفحات الفيسبوك فأرسلت له تحية صادقة نابعة من القلب تقول له " أخي أبو فهد نور الفيسبوك بوجودك "
الكم الهائل من المعارف والمعلومات المتوفرة على الشبكة في متناول الجميع , من أخذ منها إستفاد , ومن أراد أن ينام ويعش أبد الدهر بين الحفر فله ذلك .
وعلينا بحق أن نتخلص من عقدة الشهادات التي تعشعش في عقولنا , والتي في كثير من الأحيان تقود إلى مواقف وتقييمات تلقائية غير صحيحة على الإطلاق .