كتب المبدع فراس القاضي في جريدة الفرات يوم الخميس 11/11 زاوية وضعها بعنوان البؤساء جاء فيها
البؤساء
الخميس11 /11/2010
يوماً بعد يوم، يتضح للجميع بأن حياة العاملين في سلك التربية والتعليم - خاصة مدرسي المناطق البعيدة - هي الأكثر صعوبة، والأكثر ملاءمة لإنتاج فيلم يُستعار عنوانه من رواية المؤلف الفرنسي الكبير فيكتور هيغو (البؤساء)، ونقترح على من يريد إنتاج الفيلم أن يكون السيناريو بطريقة سرد الأحداث من قبل البطل، وإليه المسودة التالية للفيلم:
«مرحباً.. أنا مدرّس في محافظة دير الزور.. كلفني الوصول إلى الكلية التي تخرجت منها سنوات طويلة من الدراسة والتعب.. أضف إليها سنوات الدراسة الجامعية.. أضف إليها سنوات دبلوم التأهيل التربوي.. أضف إليها سنوات انتظار مسابقة التعيين.. المهم: أنا الآن مدرّس.
أقيم في مدينة دير الزور.. وأدرّس في مكان يصح لوصف مسافة الوصول إليه ما كان يقوله أجدادي العرب القدماء: مسير يومين أو ثلاثة.
لا تسألوني لمَ كل هذا العذاب، اسألوا وزارة التربية ومديرياتها.
المهم..
معاشي لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة سورية.. وسابقاً، أي منذ حوالي ثلاث سنوات، كان هذا المعاش يقيني ذل الشحاذة من أهلي.. وأقول من أهلي لأنني ما زلت عازباً، والطريق إلى الزواج أبعد بكثير من الطريق الفاصل بين منزل أهلي ومدرستي..
ومع توقف الحكومة عن دعم المازوت، ارتفعت أسعاره كثيراً، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى ارتفاع أسعار تعرفة النقل إلى القرية التي أدرس فيها، وبالفعل.. ارتفع سعر التعاقد مع (السرفيس) الآمن المحترم المجهز بكل وسائل الموت إلى ثلاثة أضعاف، وبدلاً من الـ 1500 ليرة، أدفع الآن 3800 ليرة شهرياً، أي أن المتبقي لي لا يتجاوز الستة آلاف ليرة. (نعمة).
ثم يأتي فصل الصيف الذي يظن الكثيرون بأنه فصل الراحة بالنسبة لسلك التعليم.. ويأتي موعد الامتحانات، وأكلف بالمراقبة (والمراقبة في دير الزور حالة خاصة، فإن لم تفتح المجال للطلاب لاستخدام القوبيات، فأنت ظالم غاشم تكره أبناء بلدك ولا تساويهم بالمحافظات الأخرى وتستحق أن تُعلق من فتحة أنفك اليمين في الساحة العامة)! ما علينا..
تنتهي فترة الامتحانات، لتتبعها فوراً فترة التصحيح، وتبدأ رحلة جديدة بمصاريف جديدة وجهود جديدة، وكل ذلك عليك أن تؤمّنه من الآلاف الستة المتبقية من المعاش التحفة.. لكن وزارة التربية لم تغفل هذه الناحية، وخصصت للمصححين أجوراً خاصة إضافية».
مؤثرات:
في هذه المرحلة من الفيلم، تظهر في الخلفية صورة مديرية التربية مع موسيقا تصويرية مطلع أغنية: (حيل اسحن كليبي سحن.. وغرقني بالهم والحزن)، ثم صورة أحد المحاسبين مع أغنية (أشوفك وين يا مهاجر).
عودة إلى النص:
«لا أريد أن أنتقد مديريتي التي أحبها كما أحب (السرفيس) الذي ينقلنا إلى القرية تماماً، لأنني إن انتقدتها، سيجعلني بعض القائمين عليها - بأساليبهم الخاصة - ممن يتمنون الانتقال للتدريس في إحدى قرى موريتانيا.. لكن لي بعض العتب غير المزعج، والمغلف بحرارة صيف التصحيح والسرافيس، وهو متعلق بكوني لم أتقاضى أجور التصحيح حتى اليوم، أي بعد أشهر من انتهاء التصحيح، وهذا ظلم.. أو.. فيه بعض الظلم.. أو.. أي مصطلح لا يجرح شعور القائمين على العمل التربوي».
مؤثرات:
هنا يظهر أحد المسؤولين التربويين يمتطي حصاناً ويمر من خلف البطل ملوحاً بسيفه ويغني: (ويلك يللي تعادينا يا ويلك ويل).
عودة إلى النص:
«منذ أكثر من عام ونصف العام، اقتطعت المديرية من المدرسين مبلغاً من المال لتزويدهم ببطاقات للصرّاف الآلي (مثل الأجانب)، لكن وحتى اللحظة لم تصل البطاقة، ولم نسترجع نقودنا، وبهذا، أصبح لنا في ذمة المديرية أجور التصحيح والبطاقات المصرفية.. وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التي تتأخر فيها أجور التصحيح، ولا المرة الثانية، ولا الثالثة ولا الرابعة ولا العاشرة، وهناك بعض المغرضين الذين يقولون بأن هذه الأموال تذهب إلى أماكن أخرى قبل صرفها للمعلمين، لكننا لا نصدق هذا الكلام أبداً أبداً..
هذه قصتي وصرختي رقم ألف أو مليون، لم أعد أحصي الصرخات.. شكراً لاستماعكم».
مؤثرات:
نهاية الفيلم: صورة لـ (سرفيس) معلمين يسير بسرعة 160 كيلو متر، مع أغنية: (مافي حدا.. لا تندهي مافي حدا).