إن الأخوة الإسلامية تقتضي الوصل والرحمة والتزاور والمودة، وإن الهجر والقطيعة يناقضان ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يقطع وصل أخيه المسلم أو يهجره، والأصل عدم جواز ذلك مطلقاً، ولكن الشارع راعى الفطرة البشرية، فأجاز للمتغاضبين أن يتهاجرا ثلاثة أيام - مع كراهة ذلك - ونهى عما زاد.
فقد روى أبو أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [البخاري (7/91) ومسلم (4/1984)].
وفي حديث أنس، رضي الله عنه، مرفوعا: (.. وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال). [البخاري (7/91) ومسلم (4/1983)].
وورد في المتهاجرين وعيد شديد، جعلهما شاذين بين أهل القبلة، حيث يغفر الله لكل من لا يشرك به شيئا يومين في كل أسبوع، إلا من كان منهم بينه وبين أخيه شحناء وهجر.
كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) وفي رواية: (إلا المتهاجرين). [مسلم (4/1987)].
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وصل من قطعه، وأخبره أن الله معه على ذوي القطيعة، كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رجلاً، قال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسٍفُّهم [تطعمهم] الملَّ [الرماد الحار]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك) [مسلم (4/1982)].
وقد أثر هذا الأدب النبوي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يشق على أحدهم أن يهجره أخوه، ويبذل قصارى جهده في إرضائه، حتى يعود إلى صلته، ويبعث إليه الشفعاء، وكان الذي تغلبه منهم بشريته، فيهجر أخاً له أكثر من ثلاث، يندم على ذلك وتذرف عيناه الدموع، إذا ذكر حسرة على ما بدر منه.
منقول