لا تنتظر مقابلاً
إن حياتنا اليومية المليئة بالمشاغل المتعددة والمفيد منها والغير مفيد، وفي خضم كًل ذلك ننسى أن لنا أخوة يحتاجون للاستفادة من قُدراتنا أو من معارفنا، ننسى أن الحياة ليست خالصة لتحقيق أماني فردية أو أن النجاح فيها يُقاس فقط بما يُحصله الفرد لنفسه بقدر ما يُضاف لذلك ما يُقدمه لمجتمعه، والعمل التطوعي هو أسمى الأعمال الإنسانية تلك التي لا تنتظر مقابلاً لها، بل تنبع من القلب ومن رغبةٍ لدى الإنسان في العطاء والتضحية، ننسى أننا جُزء من مجتمع يحتاج لعمل جماعي ينتُج من مجهودات فردية لا تبحث عن الربح ولا المادة لتقديم شيء مُفيد وخيري وعوني للمُجتمع...
يقول أحدهم وهو يدرس في أمريكا في كلية الهندسة..
أن عندهم مادة اسمها (خدمة مجتمع) مادة مُقررة ولها درجاتها وعلاماتها .. وتتلخص في أن الطالب الجامعي يقضي فترة فصل دراسي كامل في أحد جهات خدمة المجتمع الحكومية فيقوم بالعمل في تلك الجهة ويُقدم في أخر الفصل تقرير يُفصل فيه الجهة وأهدافها وماذا قدم لها وماهي مرئياته حيال تطويرها أو لتحسين خدماتها ..وعمل في مركز لتعليم الصِغار ...فكان يعمل في ترتيب الطُلاب في صف واحد , ويراقبهم في الفُسح ,, ويجلس معهم عند الخروج.. ويُساعد الطفل الذي لديه مُشكلة .. ويلعب معهم !!!
.
.
لوطرحنا فكرة أن يعمل نفس ما يعمله في أمريكا مع الطلبة في مدارسنا سيرفض حتماً، لأن لدينا مُجتمع طارد للأعمال التطوعية ..
سيكون عبء ثقيل على إدارة المدرسة ..سيكون محل سُخرية من المدرسين أنفسهم ..سيكون محل استغراب من أولياء الأمور ..سيكون محل استهجان من جماعته ومعارفه ..
وفوق ذلك .. سيتوقع كُل من يراه أنهُ لم يجد عمل ولم يرضى بهذا العمل البسيط إلا لأنه محتاج !!
أتدرون ماذا صادف صاحبنا خلال فترة تطوعه لدى مركز تعليم الصِغار ..
.
.
.
أحد أولياء الأمور ذهب لإدارة المدرسة وطلب مُقابلة .. ولما حضر لمكتب المُدير !
أتعرفون ماذا وجد .. !! ولي أمر أحد الطلبة قدم لصديقنا درع تذكاري وخطاب قدمه للمدرسة يشكره على حسن تعاونه مع أطفاله !
ليس الجامعة.. ولا المدرسة.. بل ولي أمر أحد الطُلاب !!
.
.
بالفعل شيء يبعث الحماس في أي نفس للعمل التطوعي حينما ترى أن تعبك وجُهدك يأتي بنتيجة ولو على شكل شُكر أو ضحكة في وجهك، فكيف بتلك الشهادة البسيطة والدرع التذكاري الذي لا يُساوي في ثمنه المادية أكثر من 5 دولارات ولكن في قيمته المعنوية ساوت الكثير والكثير أتدرون ماذا فعلت الـ 5 دولارات ...
.
.
قرر صديقنا أن يعمل طوال الصيفية في نفس المدرسة تطوعاً على الرغم من أنه أنهى مادة (خدمة المجتمع) ولا يوجد أحد يطالبه بذلك ّّّّّّّّ!!!
.
.
والله إننا بأمس الحاجة لزرع العمل التطوعي والمجتمعي في نفوس شبابنا وإخواننا وأبنائنا ... ونعلمهم أن يعملوا أشياء بدون أن يكون لهم أي رغبة في مُقابل.. ولن يكون ذلك إلا من خلال ما يرونه منا وما نعمله نحنُ..ولا يختلف اثنان في الحاجة الماسة لتفعيل حركة العمل التطوعي في المجتمع، وزيادة أعداد الناشطين في هذا المجال الحيوي، وتنويع الروافد الداعمة للعمل التطوعي والخيري بما يخدم تقدم المجتمع وتطوره...
.
.
.
للآسف ((ثقافة الأعمال التطوعية)) مفقودة وغير موجودة !!
وتعتبر المشاركة الفاعلة في العمل التطوعي في أي مجتمع عن مدى الوعي والنضج والرشد الذي وصل إليه ذلك المجتمع، فنمو حركة العمل التطوعي يساهم بصورة حيوية في النهوض بالمجتمع، وتنمية الطاقات والكفاءات الموجودة فيه بما يخدم مسار التقدم والتطور المجتمعي، ومن أجل تفعيل العمل التطوعي في مجتمعنا لا بد من نشر ثقافة العمل التطوعي التي تدفع نحو المشاركة الجماعية في أي مجال من مجالات العمل التطوعي وميادينه، فالثقافة التطوعية هي الركيزة الرئيسة نحو إيجاد الأرضية الملائمة لنمو شجرة العمل التطوعي، وتقوية روافده، وتفعيل أنشطته...