:: Home Page ::
آخر 10 مشاركات
ما هي مواصفات الاسهم الحلال الأمريكية (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 67 - الوقت: 09:17 PM - التاريخ: 03-27-2024)           »          بنك سيتي جروب الحقيقي Citigroup (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 66 - الوقت: 03:52 PM - التاريخ: 03-26-2024)           »          افضل شركة توزع أرباح في السوق السعودي (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 72 - الوقت: 09:22 AM - التاريخ: 03-26-2024)           »          شروط استخدام موقع حراج (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 82 - الوقت: 07:39 AM - التاريخ: 03-25-2024)           »          أعضاء مجلس إدارة شركة شمس (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 89 - الوقت: 06:18 AM - التاريخ: 03-25-2024)           »          كيف ابيع اسهم ارامكو الراجحي عبر الهاتف (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 75 - الوقت: 03:55 PM - التاريخ: 03-24-2024)           »          صناديق توزع شهري (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 677 - الوقت: 10:45 PM - التاريخ: 02-18-2024)           »          حلبية و زلبية..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 447 - الوقت: 07:14 PM - التاريخ: 02-16-2024)           »          بهلول..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 489 - الوقت: 04:09 PM - التاريخ: 02-13-2024)           »          صورة من الزمن الجميل..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 597 - الوقت: 01:28 PM - التاريخ: 02-11-2024)



 
استمع إلى القرآن الكريم
 
العودة   منتديات قبيلة البو خابور > قسم الثقافة والشعر والآداب والطلاب والرياضة > منتدى الأدب والثقافة العامة

منتدى الأدب والثقافة العامة ثقافة عامة روايات شهيرة امهات الكتب ادب شعر

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ /01-15-2011   #21

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

الفصل السادس
1
بدأ التحقيق بعد الحادث بثلاثة أيام . لقد تم كل شيء على شكل لائق قدر الإمكان , إلا أن الحضور كان كبيراً , وكما لاحظت جوانا كان هناك العديد من النسوة .
تم تحديد الوقت الذي توفيت فيه السيدة سيمنجتون وقد كان بين الثالثة والرابعة ظهراً , لقد كانت بمفردها في المنزل ؛ فقد كان السيد سيمنجتون في مكتبه , وكانت الخادمات في إجازة , وإلسي هولاند والأطفال في الخارج . وميجان كانت في نزهة على الدراجة .
لابد أن الخطاب وصل في بريد بعد الظهيرة , ولابد أن السيدة سيمنجتون أخرجته من الصندوق , وقرأته ـ ثم لابد وأنها في ثورة غضبها ذهبت إلى خزانة المطبخ وأخرجت منها بعض السيانيد الذي كان ملفوفاً هناك لكي يوضع في شبكة صيد الدبابير , ثم أذابت بعض الماء في تجرعته بعد أن كتبت هذه الكلمات الأخيرة " لا أستطيع أن أستمر . "
وأدلى أوين جريفيث بشهادته الطبية , وشدد على وجهة نظره التي أوضحها لنا بخصوص الحالة العصبية للسيدة سيمنجتون وضعف قدرتها على التحمل . كان المحقق لطيفاً وحكيماً , فقد تحدث بمرارة عن إدانته لهؤلاء الذين يكتبون هذه الأشياء الحقيرة , الرسائل المجهولة . وقال أياً كان كاتب هذه الرسائل الشريرة الكاذبة فهو مسئول أخلاقياً عن جريمة القتل . وقد تمنى أن تكشف الشرطة المجرم سريعاً وتتخذ الإجراءات اللازمة ضده أو ضدها , فعمل قذر كهذا تفوح منه رائحة الحقد الأعمى يستحق أقسى عقوبة يفرضها القانون . وبناء على توجيهاته , نطق القضاة بالحكم النهائي , ألا وهو , انتحار أثناء جنون مؤقت .
لقد بذل المحقق ما بوسعه , وكذلك أوين جريفيث أيضاً , ولكنني سمعت فيما بعد من نساء القرية نفس الهمسات الكريهة والتي بدأت ~أعرفها جيداً . " لا دخان بلا نار . هذا رأيي ! لابد أن هناك شيئاً , وإلا ما كات لتقدم على هذه الفعلة ... "
كرهت لايمستوك وحدودها الضيقة ونساءها النمامات الهامسات .
2
من الصعب تذكر الأشياء بترتيبها الزمني الصحيح . بالطبع , كانت زيارة المفتش ناش ثاني أهم المعالم . ولكني أعتقد بعد ذلك أننا تلقينا زيارات من أشخاص مختلفين بالقرية , وكانت كل زيارة مهمة في حد ذاتها , وقد ألقت بعض الضوء على على بعض الشخصيات وصفاتهم .
جاءت إيمي جريفيث في الصباح بعد الاستجواب , كانت تبدو كعادتها وافرة الصحة والنشاط ونجحت كعادتها أيضاً في مضايقتي على الفور . وبما أن ميجان وجوانا كانتا بالخارج فقد قمت أنا بواجبات الضيافة .
قالت الآنسة جريفيث : " صباح الخير , ل4قد سمعت أنكما تستضيفان ميجان هنا ."
" أجل . "
" هذا تصرف كريم من جانبكم , أنا متأكدة من ذلك , ولكن أخشى أن يسبب لكم بعض الإزعاج . وقد جئت لأقول إنه بإمكانها المجيء إلينا إذا كنتما تريدان ذلك . يمكنني القول بأنه بوسعي جعلها مفيدة في البيت . "
نظرت إلى إيمي جريفيث باستياء شديد . ثم قلت : " يا لعطفك الشديد , ولكننا سعداء بوجودها . إنها تقضي وقتاً طيباً هنا معنا . "
" لا يمكنني القول بأن تلك الطفة مغرمة بالتسكع , وأظنها لا تستطيع فعل شيء سوى ذلك , فهي ذات ذكاء محدود للغاية . "
قلت : " أعتقد أنها فتاة غاية في الذكاء . "
حدقت إلي جريفيث بقسوة , ثم غلقت قائلة : " لأول مرة أسمع شخصاً يقول هذا عنها . فعندما تتحدث إليها تنظر إليك كما لو أنها لا تفهم ما تقوله . "
قلت : " ربما كانت لا تهتم بما يقال , وهذا كل ما في الأمر . "
قالت إيمي جريفيث : " إذا كان الأمر كذلك , فهي تتسم بالوقاحة . "
قلت : " ربما , ولكنها ليست ذات ذكاء محدود . "
أعلنت الآنسة جريفيث بحدة : : إنها شاردة الذهن غافلة , على أفضل تقدير إن ما تحتاج إليه ميجان هو العمل الجاد ـ شيء يجعلها تهتم بالحياة . لا تتصور مدى الفارق الذي يشكله هذا بالنسبة لفتاة . إنني أعرف الكثير عن الفتيات . حتى أنه ليدهشك مدى الاختلاف الذي يحدثه كون الفتاة عضواً في فريق الكشافة . إن ميجان أكبر من أن تقضي وقتها في التسكع والبطالة . "
قلت : " إن من الصعب عليها فعل أي شيء الآن , فيبدو أن السيدة سيمنجتون كانت تعتبرها في الثانية عشر من عمرها . "
تنهدت الآنسة جريفيث بحنق : " أعرف , ولم أكن أطيق موقفها ذاك . لقد رحلت الآن , لذا لا أريد قول المزيد , ولكنها كانت مثالاً لما أطلق عليه ربة منزل ليست ذكية , لا تهتم إلا بلعب الورق والقيل والقال والاهتمام بشؤون أطفالها ـ حتى الأطفال كانت الفتاة تعتني بهم . أخشى أنني لم أكن معجبة بالسيدة سيمنجتون , على الرغم من ذلك فلم أشك بالحقيقة أبداً . "
قلت محتداً : " الحقيقة ؟ "
احمر وجه الآنسة جريفيث , وقالت : " لقد أسفت بشدة على ديك سيمنجتون لنشر كل تلك الأشياء في الاستجواب , لقد كان ذلك شيئاً فظيعاً بالنسبة له . "
" ولكنك بالتأكيد سمعته يقول أن ما ورد بالخطاب لا أساس له من الصحة على الإطلاق ـ لقد كان متأكداً من ذلك تماماً . "
" لقد قال ذلك بالطبع , وهذا صحيح , فالرجل لابد أن يدافع عن زوجته , هذا ما كان ليفعله ديك . "
لقد عرفت ديك سيمنجتون منذ وقت طويل . "
اندهشت بعض الشيء .
قلت : " حقاً ! لقد علمت من أخيك أنه اشترى هذه العيادة منذ بضع سنوات قليلة . "
" أوه ,نعم , ولكن ديك سيمنجتون قد اعتاد على المجيء والإقامة عندنا في الشمال. لقد عرفته منذ سنوات . "
إن النساء يتوصلن إلى نتائج لا يتوصل إليها الرجال . إلا أن النعومة المفاجئة التي طرأت على إيمي جريفيث جعلت ـ على حد وصف خادمتنا العجوز ـ بعض الأفكار تدور في رأسي .
نظرت إلى إيمي بفضول , بينما واصلت هي حديثها بنفس النبرة الناعمة : " أعرف ديك حق المعرفة ... إنه رجل يعتز بكبريائه ومتحفظ جداً , ولكنه مع ذلك غيور جداً . "
قلت متعمداً : " وهذا يفسر سبب خشية السيدة سيمنجتون من أن تريه الرسالة أو أن تخبره بما ورد فيها . فلعلعا كانت تخشى ألا يصدق إنكارها لما ورد بها , وذلك بسبب غيرته . "
نظرت إلي الآنسة جريفيث نظرة تنم عن الحنق والاحتقار .
" يا إلهي , أتعتقد أن امرأة يمكن أن تقدم على ابتلاع سيانيد البوتاسيوم بسبب اتنهام كاذب . "
" يبدو أن المحقق اعتقد أن ذلك ممكن . كما أن أخاك أيضاً ـــ "
قاطعتني إيمي : " أنتم معرش الرجال تفكرون بنفس الطريقة . فكلكم تريدون المحافظة على الآداب العامة . ولكنني لا أصدق هذا الشخف , فإن تلقت امرأة بريئة رسالة حقيرة من مجهول,فإنها تضحك أو تلقيها في سلة المهملات.وهذا ما فعلته ــ" توقفت فجأة , ثم أنهت كلامها قائلة : " ما كنت لأفعله . "
ولكنني لاحظت مقاطعتها هذه , كنت متأكداً تقريباً من أنها كانت بصدد قول : " فعلته . "
قررت أن أنقل المعركة إلى ساحة العدو .
قلت ضاحكاً : " إذن , هل تلقيت أنت أيضاً واحدة من هذه الرسائل ؟ " . كانت إيمي جريفيث من النساء اللواتي يحتقرن الكذب . صمتت لبرهة ـ واحمر وجهها , ثم قالت : " نعم , ولكنني لم أدعها تقلقني . "
سألتها بتعاطف : " أكاذيب بذيئة ؟ "
" بالطبع , فهذه الأشياء بذيئة دائماً . إنها هذيان شخص مخبول . لقد قرأت كلمات قليلة منها , فأدركت فحواها فألقيتها في سلة المهملات بلا تردد . "
" ألم تفكري في إبلاغ الشرطة . "
" كلا , فكثرة الكلام تزيد المشاكل سوءاً ـ هذا هو ما فكرت فيه عندئذ . "
ألح علي هاجس أن أقول لها : " ا دخان بدون نار ! " ولكني منعت نفسي , ولكي أتجنب هذا الإغراء غيرت مجرى الحديث إلى ميجان . فسألتها : " ألديك فكرة عن وضع ميجان المالي ؟ إنه ليس نوعاً من الفضول , وإنما أريد أن أعرف إذا ما كان يتحتم عليها العمل لكسب قوتها . "
" لا أعتقد أنه يتحتم عليها بمعنى الكلمة , فقد تركت لها جدتها لأبيها مصدراً صغيراً للدخل على ما أظن , وعلى أي حال , فإن ديك سيمنجتون كان يوفر لها السكن ويتكفل بها حتى لو لم تترك لها أمها شيئاً . غير أنها مسألة مبدأ . "
" أي مبدأ ؟ "
" العمل يا سيد بيرتون , فليس هناك شيء أهم من العمل بالنسبة للرجل والمرأة . فالكسل ذنب لا يغتفر . "

يتبع..........












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-15-2011   #22

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

قلت : " لقد فصل السيد إدوارد جيري , الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد , من جامعة أكسفورد بسبب كسله الفظيع . كما أن الدوق ويلنتجون ـ على حد علمي ـ كان كسولاً وغير مهتم بكتبه . ثم , ألم يخطر ببالك يا آنسة جريفيث أنك لم تكوني لتستطيعي استقلال القطار إلى لندن لو أن جورج ستيفنسون كان قد خرج مع أقرانه من الشباب للعمل بدلاً من التسكع في مطبخ أمه شاعراً بالملل حتى انتبه عقله الكسول إلى الحركة الرتيبة لغطاء غلاية الشاي ؟ "
لم تقل إيمي شيئاً سوى أن تنهدت بحنق .
فقلت معضداً فكرتي : " إنها نظريتي الخاصة . إذ أرى أننا ندين للكسل ـ سواءً كان اختيارياً أو جبرياً ـ بمعظم ابتكاراتنا وإنجازاتنا العظيمة . فالعقل البشري يفضل أن يتغذى على أفكار الآخرين دون بذل جهد يذكر , ولكن إذا حرم من تلك الرفاهية , فسوف يبدأ التفكير لنفسه ـ وتذكري أن مثل هذا التفكير الخلاق وربما يؤدي إلى نتائج قيمة . "
واصلت حديثي قبل أن تتاح لإيمي فرصة لإطلاق تنهيدة حانقة أخرى : " فضلاً عن ذلك , فإن الكسل به جانب فني . "
نهضت وأخذت من على مكتبي صورة طالما لازمتني , إنها صورتي الصينية المفضلة , وهي تصور رجلاً عجوزاً جالساً تحت شجرة يلعب تشبيك الخيوط بأطراف أصابع يديه .
قلت : " كانت في المعرض الصيني وقد أعجبتني , اسمحي لي بأن أريك إياها . إنها تدعى " رجل عجوز يستمتع بالكسل . "
لم تعجب إيمي بصورتي الجميلة , فقالت : " أوه , حسناً , إننا جميعاً نعرف طباع الصينيين . "
سألتها : " ألا تروق لك ؟ "
" بصراحة كلا , فأنا لا أهتم بالفن كثيراً , كما أن طريقة تفكيرك يا سيد بيرتون لا تختلف عن طريقة تفكير معظم الرجال . فأنتم تكرهون عمل المرأة ــــ ومنافستها لكم ــــ "
أصابتني الدهشة , فهاأنذا قد أصبحت عدواً للحركة النسائية . استمرت إيمي في دفاعها وقد احمرت وجنتاها .
" إنه لا تروق لك فكرة خروج المرأة من لميدان العمل , تماماً كوالدي . فقد كنت مهتمة بدراسة الطب ولكنهما لم يكونا مهتمين بدفع مصاريف الدراسة , ومع ذلك فقد كانا مستعدين لدفعها لأوين . لقد كان بإمكاني أن أصبح طبيبة أفضل من أخي ."
قلت : " أنا آسف لما حدث معك , فلابد أنه كان شيئاً قاسياً عليك . فحينما يريد المرء فعل شيء ــ "
واصلت كلامها بسرعة : " أوه , لقد تغلبت على هذا الآن , لفدي إرادة شديدة لا تقهر , وحياتي مشحونة بالأنشطة المختلفة . إنني واحدة من أسعد الناس في لايمستوك , ولدي الكثير لأفعله . ولكنني أسعى لهدم الفكرة البالية القائلة بأن مكان المرأة هو بيتها . "
قلت : " آسف إن كنت قد آلمتك . وهذه لم تكن وجهة نظري حقاً , وأنا لا أتصور أن ميجان يمكن أن تصبح ربة منزل تقليدية . "
" كلا , إنها طفلى مسكينة , ولكنني أخشى لا تصلح لأي شيء . " هدأت إيمي وعادت لتتكلم بطريقتها المعتادة مرة أخرى قائلة : " إن أباها , كما تعرف ـــ "
توقفت , فقلت مغتاظاً : " لا أعرف , فالجميع هنا يقولون (( إن أباها )) ثم يخفضون أصواتهم , ثم لا شيء . ماذا فعل ذلك الرجل ؟ ألا يزال حياً ؟ "
" في الحقيقة , لا أعرف , وأخشى أنه غامض بالنسبة لي شخصياً , ولكنه كان بلا ريب سيئاً . أعتقد أنه من أرباب السجون , وشخصية غريبة الأطوار إلى حد كبير , لذلك لن أُدهش إذا كانت ميجان مختلفة بعض الشيء . "
قلت : " إن ميجان في كامل قواها العقلية , وكما قلت من قبل , فإنني أعتبرها فتاة ذكية . وأختي تعتبرها كذلك أيضاً , إن جوانا تحبها كثيراً . "
قالت إيمي : " أخشى أن أختك تجد الحياة مملة هنا بالتأكيد . "
ما أن قالتها , حتى عرفت شيئاً آخر , إن إيمي جريفيث تكره أختي , فلقد بدا ذلك واضحاً في نبرة صوتها .
" لقد تساءلنا جميعاً كيف يمكنكما العيش هنا في هذه البقعة النائية . "
لقد أجبت عن هذا السؤال سابقاً .
صمتُّ لبرهة ثم أضفت قائلاً : " إنها أوامر الأطباء , أن أذهب إلى مكان هادئ جداً لا يحدث فيه شيء مزعج . ولكن هذا لا ينطبق على لايمستوك في الوقت الراهن ."
" كلا , كلا , أنت محق . "
بدت قلقة ثم نهضت وهي تهم بالمغادرة , وقالت عندئذ : " يجب وضع حد لكل هذه الوحشية ! فنحن لا نستطيع استمرار تحمل هذا الوضع . "
" ألا تفعل الشرطة شيئاً ؟ "
" من المفترض أن يفعلوا , ولكنني أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع هذه السخافات بأنفسنا . "
" إننا لا نمتلك ما يملكونه من أسلحة . "
" هراء ! ربما كنا أكثر منهم حنكة وذكاء . ولا ينقصنا سوى القليل من العزيمة . "
ثم ودعتني بسرعة وذهبت . وعندما عادت جوانا وميجان قدمت صورتي الصينية لميجان , فتهللت أساريرها وقالت : " إنها رائعة , أليس كذلك ؟ "
" هذا هو رأيي . "
قطبت جبينها بالطريقة التي أعرفها جيداً .
" ولكنه أمر صعب حقاً , أليس كذلك ؟ "
" أن يكون الأمر كسولاً ؟ "
" لا , ليس أن يكون كسولاً ـ بل أن يستمتع به , لابد أنه عجوز جداً ــ "
توقفت عن الكلام , فقلت : " إنه رجل عجوز بالفعل . "
" لا أقصد أن يكون عجوزاً بهذا المعنى . بل أقصد أن يكون عجوزاً بـ ... "
قلت : " تقصدين أن على المرء أن يرقى إلى درجة عالية من التحضر حتى تظهر له الأمور على هذا النحو ـ إنها وجهة نظر معقدة ؟ أعتقد أنه يجب أن تكملي تعليمك يا ميجان عن طريق قراءة مائة قصيدة مترجمة عن الصينية . "
3
قابلت سيمنجون في وقت متأخر من اليوم .
سألته : " هل تمانع في أن تبقى ميجان معنا لبعض الوقت ؟ إن جوانا سعيدة بها ـ فهي تشعر بالوحدة أحياناً لعدم وجود أحد من أصدقاءها . "
" أوه ـ من ـ ميجان ؟ أوه , هذا كرم بالغ منك . "
كرهت سيمنجتون منذ ذلك الحين كراهية لم أتمكن من التغلب عليها . فقد بدا واضحاً أنه نسي كل شيء يمت بصلة لميجان . لم أكن لأبالي بو أنه كره الفتاة ـ فالرجل أحياناً يغار من أطفال الرجل السابق ـ بيد أنه لم يكن يكرهها , بل إنه لم يكن يلاحظ وجودها من الأساس . فمثل سيمنجتون وميجان مثل رجل لا يهتم بالكلاب وكان هناك كلب بمنزله , فلا ينتبه لوجوده إلا عندما يصطدم به فيوبخه , وأحياناً يربت عليه شذراً عندما يأتي ويتمسح به . لقد ضايقتني اللامبالاة التي أبداها سيمنجتون تجاه ابنة زوجته .
قلت : " ما خططك بشأنها ؟ "
بدا وكأنه فوجئ بسؤالي , فقال : " بشأن ميجان ؟ حسناً , سوف تعيش كما كانت في المنزل . أقصد بالطبع , أنه منزلها . "
كانت جدتي التي أحببتها كثيراً , تغني أغاني قديمة على الجيتار الخاص بها . وأذكر أن نهاية إحدى هذه الأغاني كانت كالتالي :
(( أوه يا عزيزتي , أن لست هنا
ليس لي مكان أو بيت ,
لم يعد لي مأوى , في البحر أو على الشط ,
فمكاني الوحيد في قلبك . ))
ظللت أرددها وأنا في طريق المنزل .
4
جاءت إيميلي بارتون بعد أنم انتهينا من تناول الشاي مباشرة . كانت تريد الحديث عن الحديقة , فأخذنا نتحدث ونحن نتجول هناك لمدة نصف ساعة تقريباً . ثم عدنا أدراجنا إلى المنزل .
وعندئذ أخفضت صوتها , وتمتمت قائلة : " أتمنى ألا تكون هذه الطفلة ـ مستاءة من هذا الحدث المروع . "
" أتقصدين موت أمها ؟ "
" نعم , بالطبع , ولكني في الحقيقة قصدت الإساءة المختلفة عنه . "
اعتراني الفضول , فأردت أن أعرف ردة فعل الآنسة بارتون .
" ما رأيك في تلك الإساءات ؟ أكانت حقيقية ؟ "
" كلا , كلا , بالتأكيد لم يكن بها شيء من الحقيقة . فأنا متأكدة تماماً أن السيدة سيمنجتون لم تكن ـ لم أعني أنه لم يكن."احمر وجه الآنسة بارتون ورتبكت ــــ " أقصد أن تلك الإساءات ليست حقيقية على الإطلاق ـ على الرغم من أنها قد تكون بمثابة حكم . "
قلت محدقاً إليها : " حكم ؟ "
ازداد احمرار وجه إيميلي بارتون وارتعشت شفتاها .
" لا أستطيع منع نفسي من الشعور بأن هذه الخطابات المروعة , وكل الحزن والألم الذي سببته , ربما يتم إرسالها لغرض ما . "
قلت مقطباً جبيني : " لقد أرسلت لغرض ما بكل تأكيد . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , لقد أسأت فهمي . إنني لا أتحدث عن هذا المخلوق الضال الذي كتبها ـ فلابد أنه شخص منبوذ تماماً . وإنما أعني أن الله قد ابتلانا بها ليوقظ ضميرنا وينبهنا إلى أخطائنا ."
قلت : " إن الله لا يجبر الإنسان على فعل الشر , فالإنسان هو الذي يوعز إلينا بالشرور . "
" ما لا أستطيع فهمه أبداً هو ما الذي يدفع أي إنسان إلى فعل شيء كهذا ؟ "
هززت كتفي قائلاً : " عقلية مريضة . "
" يبدو أنه إنسان تعيس جداً . "
" لا يبدو لي أنه تعيس , وإنما هو ملعون , وأنا لست نادماً على هذا الوصف , بل أعنيه تماماً . "
اختفت الحمرة عن وجنتا الآنسة بارتون وأصبحتا شاحبتين .
" ولكن لماذا يا سيد بيرتون , لماذا؟أية سعادة يحصل عليها المرء من شيء كهذا؟ "
" لا أستطيع أنا ولا أنتي فهم ذلك , وهذا من فضل الله علينا . "
أخفضت إيميلي بارتون صوتها قائلة : " يقولون أنها السيدة كليت ـ ولكنني لا أستطيع تصديق هذا . "
هززت رأسي , بينما واصلت حديثها مهتاجة : " لم يحدث شيئ كهذا من قبل , على أن أذكر أنه قد كان مجتمعاً صغيراً يعيش في سعادة . ترى ماذا كانت أمي العزيزة لتقوله عما يحدث الآن ؟ حسناً , إنني أحمد الله لأنها ماتت قبل أن ترى مثل هذه الأشياء . "
من خلال ما عرفته عن السيدة بارتون الراحلة فإنها كانت صلبة بما فيه الكفاية لتحمل أي شيء , بل وربما كانت لتستمتع بهذا الحديث المثير .
واصلت إيميلي حديثها : " إنها تحزنني كثيراً . "
" ألم ـ ألم تتلق رسالة من هذه الرسائل المجهولة ؟ "
احمر وجهها وقالت : " أوه , لا ـ أوه , لا , حقاً . أوه ! هذا الشيء كان ليصيبني بالرعب . "
اعتذرت بسرعة , ولكنها غادرت مستاءة .
دخلت إلى المنزل ,كانت جوانا تقف في حجرة الرسم بجوار النار التي أشعلتها للتو, حيث كان الجو بارداً الليلة .
" جيري ! لقد وجدت هذا في صندوق الخطابات , مرسلاً باليد . حيث تقول بداية الخطاب : " أنت أيتها الساقطة . "
" ماذا بها أيضاً غير ذلك ؟ "
" قطبت جوانا جبينها قائلة : " نفس السخافات السابقة . "
ألقتها في النار , فقفزت قفزة سرعت آلمت ظهري والتقطتها قبل أن تلمسها النار .
قلت : " كلا , قد نحتاج إليها . "
" نحتاج إليها ؟ "
" لتقديمها للشرطة . "
5
في صباح اليوم التالي جاء المفتش ناش لرؤيتي . منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها أعجبت به , فقد كان نموذجاً مثالياً لرجل الشرطة , كان طويل القامة , ذا مظهر عسكري , وعيناه تنمان عن الذكاء والفطنة .
قال : " صباح الخير يا سيد بيرتون , أعتقد أنك تعرف سبب مجيئي إليك . "
" نعم , أعتقد أنها مسألة الرسائل . "
أومأ برأسه قائلاً : " أظن أنك تلقيت واحدة منها . "
" نعم , بعد وصولنا هنا مباشرة . "
" ما فحواها بالضبط ؟ "
فكرت قليلاً ثم ذكرت له كلمات الرسالة بأكبر قدر ممكن من الدقة .
استمع مفتش الشرطة بوجه خال من التعبيرات , وعندما أنهيت كلامي قال : " إذن لم تحتفظوا بالرسالة سيد بيرتون ؟ "
" آسف , لم نفعل.فقد كنت أظنه مجرد نوعاً من النكاية في وافدين جدد في القرية. "
أحنى مفتش الشرطة رأسه متفكراً . ثم قال في اقتضاب : " يا للأسف . "
قلت : " ومع ذلك فقد تلقت أختي واحدة في الأمس . وأنقذتها بصعوبة بعدما ألقتها في النار . "
" شكراً لك يا سيد بيرتون , فقد كان هذا جميلاً منك . "
ذهبت إلى مكتبي وفتحت الدرج الذي وضعتها فيه , فقد فكرت أنه ليس من المناسب أن تراها بارتريدج.أخذتها وأعطيتها لناش.فنظر إليها بسرعة , قم نظر إلي وقال: "
هل لها نفس مظهر الرسالة السابقة ؟ "
" أعتقد ذلك , إن لم تخني الذاكرة . "
" نفس الفارق بين المظروف ونص الرسالة . "
قلت : " نعم , فقد كان المظروف مطبوعاً على آلة كاتبة , أما الرسالة نفسها فقد كانت عبارة عن كلمات مأخوذة من كتاب وملصقة على ورقة بيضاء . "
أومأ ناش ووضعها في محفظته , ثم قال : " إنني أتساءل يا سيد بيرتون إن كنت تمانع في مرافقتي إلى قسم الشرطة ؟ حيث نستطيع هناك التحاور مع أفراد آخرين ونوفر على أنفسنا الكثير من الوقت والتداخل . "
قلت : " بالطبع , هل يمكن أن آتي الآن ؟ "
" إن لم يكن لديك مانع . "
كانت سيارة الشرطة تنتظر أمام الباب , فاستقللنا السيارة متوجهين نحو قسم الشرطة .
قلت : " أتظن أنك ستصل إلى نتيجة بخصوص هذه المشكلة ؟ "
أومأ ناش بثقة واضحة .
" أوه , نعم , سوف نصل إلى الفاعل بسهولة . إنها مسألة وقت وروتين , فهذه القضايا تسير ببطء , ولكن حلها أمر مؤكد . إنها مسألة تضييق الاحتمالات . "
قلت : " أتعني التركيز على أسماء بعينها واستثناء الأخرى ؟ "
" نعم , بالإضافة إلى بعض المهام الروتينية . "
" أتقصد مراقبة صناديق البريد , وفحص الآلات الكاتبة , والبصمات , وما إلى ذلك ؟ "
ابتسم قائلاً : " تماماً , كما تقول . "
في قسم الشرطة وجدنا سيمنجتون وجريفيث هناك وعرفني ناش على رجل ذي ذقن بارز وطويل يرتدي ملابس مدنية , وقال لي إنه المفتش جريفز .
شرح ناش قائلاً : " لقد جاء المفتش جريفز من لندن لمساعدتنا . إنه خبير في الرسائل مجهولة المصادر . "
ابتسم المفتش جريفز ابتسامة كئيبة . فتراءى لي على الفور أن الحياة التي يمضيها صاحبها في اقتفاء أثر كاتبي الرسائل المجهولة لابد وأن تصيبه بالاكتئاب . ومع ذلك فقد أظهر المفتش جريفز حماساً به مسحة من الكآبة .
قال بصوت عميق حزين أشبه بكلب بوليسي محبط : " إن هذه القضايا متشابهة إلى حد كبير . فقد تدهش من مدى تشابه كلمات وصياغة هذه الرسائل . "
قال ناش : " لقد قابلنا قضية مشابهة قبل سنتين وساعدنا المفتش حينئذ . "
رأيت بعض الرسائل على الطاولة أمام جريفز , لابد وأنه كان يتفحصها .
قال ناش : " من الصعب الحصول على رسائل من هذا النوعية , وذلك لأن الناس إما يحرقونها أو أنهم لا يعترفون بتلقيها من الأساس. فالناس هنا ـ كما رأيت بنفسك ـ أغبياء, ويخشون التعامل مع الشرطة , فهم متخلفون إلى حد كبير . "
قال جريفز : " غير أننا تلقينا عدداً من هذه الرسائل يكفي لبدأ التحري وكشف الجاني . " في تلك الأثناء أخرج ناش من جيبه الرسالة التي أعطيته إياها وسلمها لجريفز .
ألقى الأخير نظرة سريعة عليها , ثم وضعها بجانب الرسائل الأخرى وقال في سعادة ورضى : " رائع جداً ـ رائع جداً . "
لم أكن أظن أن هذه الرسائل البذيئة قد تبث السعادة في نفس أحد , غير أنه يبدو أن للخبراء وجهة نظر خاصة في هذا الصدد .
قال المفتش جريفز : " أعتقد أننا حصلنا على عدد كاف من الرسائل للبدء في العمل , وسوف أطلب منكم أيها السادة , إذا تلقيتم المزيد منها , أن تبلغونا على الفور ؛ وكذلك إذا سمعتم أن أحداً تلقى رسالة مجهولة المصدر ـ وبخاصة أنت , أيها الطبيب بين مرضاك , فابذلوا ما بوسعكم لإقناعه بالمجيء إلينا وإبلاغنا عنها . لدينا ـ " قلب الرسائل بأطراف أصابعه , مستطرداً : " واحدة للسيد سيمنجتون تلقاها منذ شهرين , وواحدة للسيد جريفيث , وواحدة للآنسة " جينش " , وأخرى لجينيفر كلارك , النادلة بمطعم " ثري كراونز " , والرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون , وأخيراً تلك التي تسلمتها الآنسة بيرتون . أوه , نعم , ورسالة بعثها لنا مدير البنك . "
قلت : " إنها مجموعة تمثل جميع الشرائح . "
" ولا تختلف عن القضايا المماثلة ! فهي شديدة الشبه بتلك الرسائل التي كانت تكتبها تلك المرأة المخبولة , كما أنها صورة طبق الأصل من تلك الرسائل التي واجهناها في نوثرمبلاند ـ والتي كتبتها إحدى الطالبات بالمدرسة . بوسعي أن أعلن لكم أيها السادة أنني أود رؤية شيء مختلف . "
قلت متمتماً : " لا جديد تحت الشمس . "
" بالضبط يا سيدي . ولو كنت تعمل في نفس مهنتنا لتبين لك صدق هذه المقولة . "
تنهد ناش قائلاً : " نعم , بالفعل . "
سأل سيمنجتون : " هل توصلتم إلى رأي محدد بشأن كاتب هذه الرسائل ؟ "
" هناك أوجه شبه مشتركة بين كل هذه الرسائل . وسوف أوضحها لكم أيها السادة لعلها توحي لكم بشيء يساعدنا . إن نص الرسائل يتألف من كلمات مصنوعة من أحرف منفصلة قطعت من كتاب مطبوع , إنه كتاب قديم وأظنه طبع عام 1830 . ومن الواضح أن هذا النهج قد اتُبع لتجنب خطر التعرف على الكاتب من خلال خط يده والذي يعتبر أمراً في غاية السهولة . كما يعرف الجميع الآن .... وما يسمى استخدام اليد الخفية في الكتابة أصبح أمراً غير ذي جدوى إن واجهه خبير محنك . وليس هناك بصمات على الرسائل , كما أن المظاريف لها أشكال مختلفة , وقد تعامل معها رجال البريد , والمرسل إليهم , وهناك رسائل أخرى عليها بصمات غير واضحة , ولكن لا يجمعها شيء واحد , مما يشير إلى أن الراسل كان حريصاً على أن يرتدي قفازات , وقد تمت كتابة العناوين على المظاريف بآلة كاتبة مهترئة من طراز وندسور 7 بها حرفا الألف والتاء خارجان على الخط المستقيم . وقد أُرسل معظمها من البريد المحلي أو وضعت باليد في صندوق الرسائل المنزلي . وقد كتبتها امرأة , وأنا أعتقد أنها امرأة في متوسط العمر أو أكبر ,وربما كانت غير متزوجة,على الرغم من أني غير متأكد. "
استمعنا بإنصات لدقيقة أو اثنتين دون أن نقاطعه , ثم قلت : " إنك تراهن على الآلة الكاتبة , أليس كذلك ؟ فلابد أنه من السهل الوصول إليها في قرية صغيرة كهذه . "
هز المفتش جريفز رأسه بحزن وقال : " إنك مخطئ في هذا يا سيدي . "
قال مراقب الشرطة ناش : " الآلة الكاتبة , للأسف , يسهل الوصول إليها . فهي آلة قديمة من مكتب السيد سيمنجتون , وقد تبرع بها لصالح جمعية المرأة , وأعتقد أنه من السهل الوصول إليها , حيث يذهب الكثير من السيدات هنا إلى الجمعية . "
" ألا تستطيع تحديد شيء معين من اللمسة الفنية , كما تطلقون عليها ؟ "
أومأ جريفز مرة أخرى .
" نعم , هذا ممكن بالطبع ـ غير أن المظاريف قد طُبعت كلها بواسطة شخص يستخدم إصبعاً واحداً . "
هو إذن شخص غير بارع في استخدام الآلة الكاتبة ؟ "
" كلا , أنا لا أعني ذلك . بل أعني أنه شخص يجيد استخدام الآلة الكاتبة ولكنه لا يريدنا أن نتعرف على حقيقته . "
" أياً كان كاتب هذه الأشياء فلابد أنه ماكر . "
قال جريفز : " إنها يا سيدي تستخدم كل الحيل الممكنة . "
قلت : " لم أكن أظن أن هؤلاء النسوة القرويات لديهن هذه العقول . "
سعل جريفز , قائلاً : " أخشى أنني لم أكن واضحاً , ولكن هذه الرسائل كتبت على يد امرأة مثقفة . "
" ماذا ؟ أتعني أنها " ليدي " ؟ "
خرجت مني الكلمة عفوياً . فلم أستخدم هذه الكلمة منذ سنوات . ولكنها الآن جاءت على شفتي تلقائياً , بعد مضي أيام طوال منذ أن عرفتها , منذ أن كانت جدتي تقول بصوت تفوح منه رائحة العجرفة التلقائية : " بالطبع إنها ليست ليدي يا عزيزي . "
فهم ناش ما أقصده على الفور , فقد كانت كلمة ليدي لا تزال تعني شيئاً له .
قال : " ليس بالضرورة أن تكون ليدي , ولكنها بالتأكيد ليست امرأة قروية . فمعظمهن أميات هنا لا يستطعن هجاء الكلمات , وقطعاً لا يستطعن التعبير بطلاقة . "
لذت بالصمت بعدما صدمت بهذه التعقيدات . إذ إن المجتمع هنا صغير للغاية . وقد تخيلت في اللاوعي أن كاتبة الرسائل هي السيدة كليت وأضرابها من النساء , فهي امرأة ماكرة .
صاغ سيمنجتون أفكاري بكلمات , حيث قال بحدة : " ولكن هذا يضيق نطاق البحث إلى ست أو اثنتي عشر امرأة على الأكثر ! "
" هذا صحيح . "
" لا أصدق ! "
عندئذ قال سيمنجتون بصوت تكسوه المرارة , وكأنه يخرج الكلمات بصعوبة : " لقد سمعت ما ذكرته في الاستجواب . وإذا ما كنت تعتقد أن تلك الشهادة كانت بناء على رغبة مني لحماية ذكرى زوجتي , فإنني أود أن أكرر الآن أنني مقتنع تمام الاقتناع بأن كل ما ورد في الرسالة التي تسلمتها زوجتي كان محض افتراءات . لقد كانت زوجتي حساسة ورقيقة للغاية , وربما يمكنكم اعتبارها عصبية . ومثل هذه الرسالة من شأنها أن تسبب لها صدمة نفسية عنيفة , بالإضافة إلى أنها كانت معتلة الصحة . "
رد جريفز على الفور : " هذا صحيح إلى حد كبير يا سيدي , فهذه الرسائل لا تشير إلى أن كاتبها واثق من معلوماته . إنها مجرد اتهامات عمياء . ولم يكن هناك ابتزاز . ولا يبدو أن بها أي تحيز ديني ــ كما يحدث في بعض الأحيان . إنها فقط مليئة بالجنس والبغضاء ! وهذا يعطينا مؤشراً جيداً للتعرف على الكاتب . "
نهض سيمنجتون , وقال بشفتين مرتعشتين : " أتمنى أن تجد الشيطانة التي كتبت هذه الرسائل اللعينة سريعاً . لقد قتلت زوجتي كما لو أنها غرست سكيناً في قلبها . " صمت قليلاً ثم أضاف : " إنني أتساءل , ما شعورها الآن ؟ " . خرج تاركاً السؤال بدون إجابة.
سألت : " ما شعورها الآن يا جريفيث ؟ " وبدا لي أن الإجابة في نطاق اختصاصه .
" الله أعلم . ومن جانب آخر , فقد تكون مستمتعة بقوتها . فلابد أن موت السيدة سيمنجتون قد أشبع جنونها . "
قلت برعشة خفيفة : " لا أتمنى ذلك . لأنها إن كانت كذلك , فسوف ــ "
ترددت فيما أنهى ناش عبارتي قائلاً : " فسوف تحاول مرة أخرى ؟ إن هذا ما نتمنى حدوثه يا سيد بيرتون . وتذكر أن الضمآن يذهب إلى البئر كثيراً . "
صحت قائلاً : " سوف تكون مجنونة إن واصلت عملها هذا . "
قال جريفز : " سوف تواصل . فهذا النوع دائماً ما يفعل . إنه شيء يجري في دمائهم ولا يستطيعون التخلص منه . "
هززت رأسي وأنما أرتعد . ثم سألتهم إن كانوا يحتاجون إلي في شيء آخر , فقد كنت أريد الخروج في الهواء , حيث بدا الجو هنا مفعماً بالشر .
قال ناش : " لا يوجد لدينا المزيد يا سيد بيرتون كل ما عليك هو أن تبقي عينيك مفتوحتين , وتبذل ما بوسعك للدعاية ـ كأن تحث الجميع على إبلاغنا بأي رسالة يتلقونها من هذا النوع . "
أومأت برأسي قائلاً : " أعتقد أنه ما من أحد هنا إلا وتلقى رسالة من هذا النوع . "
قال جريفز : " هل تعرف أحداً , على وجه التحديد , لم يتلق رسالة ؟ "
" يا له من سؤال غريب ! فليس من المتوقع أن يبوح كل السكان بأسرارهم . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , إنني لم أقصد ذلك , فقط أردت أن أتساءل إن كنت تعرف أي شخص وتثق تماماً أنه لم يتلق رسالة مجهولة ؟ "
ترددت ثم قلت : " حسناً , أعرف إلى حد ما . "
يتبع.........












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-15-2011   #23

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

قلت : " لقد فصل السيد إدوارد جيري , الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد , من جامعة أكسفورد بسبب كسله الفظيع . كما أن الدوق ويلنتجون ـ على حد علمي ـ كان كسولاً وغير مهتم بكتبه . ثم , ألم يخطر ببالك يا آنسة جريفيث أنك لم تكوني لتستطيعي استقلال القطار إلى لندن لو أن جورج ستيفنسون كان قد خرج مع أقرانه من الشباب للعمل بدلاً من التسكع في مطبخ أمه شاعراً بالملل حتى انتبه عقله الكسول إلى الحركة الرتيبة لغطاء غلاية الشاي ؟ "
لم تقل إيمي شيئاً سوى أن تنهدت بحنق .
فقلت معضداً فكرتي : " إنها نظريتي الخاصة . إذ أرى أننا ندين للكسل ـ سواءً كان اختيارياً أو جبرياً ـ بمعظم ابتكاراتنا وإنجازاتنا العظيمة . فالعقل البشري يفضل أن يتغذى على أفكار الآخرين دون بذل جهد يذكر , ولكن إذا حرم من تلك الرفاهية , فسوف يبدأ التفكير لنفسه ـ وتذكري أن مثل هذا التفكير الخلاق وربما يؤدي إلى نتائج قيمة . "
واصلت حديثي قبل أن تتاح لإيمي فرصة لإطلاق تنهيدة حانقة أخرى : " فضلاً عن ذلك , فإن الكسل به جانب فني . "
نهضت وأخذت من على مكتبي صورة طالما لازمتني , إنها صورتي الصينية المفضلة , وهي تصور رجلاً عجوزاً جالساً تحت شجرة يلعب تشبيك الخيوط بأطراف أصابع يديه .
قلت : " كانت في المعرض الصيني وقد أعجبتني , اسمحي لي بأن أريك إياها . إنها تدعى " رجل عجوز يستمتع بالكسل . "
لم تعجب إيمي بصورتي الجميلة , فقالت : " أوه , حسناً , إننا جميعاً نعرف طباع الصينيين . "
سألتها : " ألا تروق لك ؟ "
" بصراحة كلا , فأنا لا أهتم بالفن كثيراً , كما أن طريقة تفكيرك يا سيد بيرتون لا تختلف عن طريقة تفكير معظم الرجال . فأنتم تكرهون عمل المرأة ــــ ومنافستها لكم ــــ "
أصابتني الدهشة , فهاأنذا قد أصبحت عدواً للحركة النسائية . استمرت إيمي في دفاعها وقد احمرت وجنتاها .
" إنه لا تروق لك فكرة خروج المرأة من لميدان العمل , تماماً كوالدي . فقد كنت مهتمة بدراسة الطب ولكنهما لم يكونا مهتمين بدفع مصاريف الدراسة , ومع ذلك فقد كانا مستعدين لدفعها لأوين . لقد كان بإمكاني أن أصبح طبيبة أفضل من أخي ."
قلت : " أنا آسف لما حدث معك , فلابد أنه كان شيئاً قاسياً عليك . فحينما يريد المرء فعل شيء ــ "
واصلت كلامها بسرعة : " أوه , لقد تغلبت على هذا الآن , لفدي إرادة شديدة لا تقهر , وحياتي مشحونة بالأنشطة المختلفة . إنني واحدة من أسعد الناس في لايمستوك , ولدي الكثير لأفعله . ولكنني أسعى لهدم الفكرة البالية القائلة بأن مكان المرأة هو بيتها . "
قلت : " آسف إن كنت قد آلمتك . وهذه لم تكن وجهة نظري حقاً , وأنا لا أتصور أن ميجان يمكن أن تصبح ربة منزل تقليدية . "
" كلا , إنها طفلى مسكينة , ولكنني أخشى لا تصلح لأي شيء . " هدأت إيمي وعادت لتتكلم بطريقتها المعتادة مرة أخرى قائلة : " إن أباها , كما تعرف ـــ "
توقفت , فقلت مغتاظاً : " لا أعرف , فالجميع هنا يقولون (( إن أباها )) ثم يخفضون أصواتهم , ثم لا شيء . ماذا فعل ذلك الرجل ؟ ألا يزال حياً ؟ "
" في الحقيقة , لا أعرف , وأخشى أنه غامض بالنسبة لي شخصياً , ولكنه كان بلا ريب سيئاً . أعتقد أنه من أرباب السجون , وشخصية غريبة الأطوار إلى حد كبير , لذلك لن أُدهش إذا كانت ميجان مختلفة بعض الشيء . "
قلت : " إن ميجان في كامل قواها العقلية , وكما قلت من قبل , فإنني أعتبرها فتاة ذكية . وأختي تعتبرها كذلك أيضاً , إن جوانا تحبها كثيراً . "
قالت إيمي : " أخشى أن أختك تجد الحياة مملة هنا بالتأكيد . "
ما أن قالتها , حتى عرفت شيئاً آخر , إن إيمي جريفيث تكره أختي , فلقد بدا ذلك واضحاً في نبرة صوتها .
" لقد تساءلنا جميعاً كيف يمكنكما العيش هنا في هذه البقعة النائية . "
لقد أجبت عن هذا السؤال سابقاً .
صمتُّ لبرهة ثم أضفت قائلاً : " إنها أوامر الأطباء , أن أذهب إلى مكان هادئ جداً لا يحدث فيه شيء مزعج . ولكن هذا لا ينطبق على لايمستوك في الوقت الراهن ."
" كلا , كلا , أنت محق . "
بدت قلقة ثم نهضت وهي تهم بالمغادرة , وقالت عندئذ : " يجب وضع حد لكل هذه الوحشية ! فنحن لا نستطيع استمرار تحمل هذا الوضع . "
" ألا تفعل الشرطة شيئاً ؟ "
" من المفترض أن يفعلوا , ولكنني أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع هذه السخافات بأنفسنا . "
" إننا لا نمتلك ما يملكونه من أسلحة . "
" هراء ! ربما كنا أكثر منهم حنكة وذكاء . ولا ينقصنا سوى القليل من العزيمة . "
ثم ودعتني بسرعة وذهبت . وعندما عادت جوانا وميجان قدمت صورتي الصينية لميجان , فتهللت أساريرها وقالت : " إنها رائعة , أليس كذلك ؟ "
" هذا هو رأيي . "
قطبت جبينها بالطريقة التي أعرفها جيداً .
" ولكنه أمر صعب حقاً , أليس كذلك ؟ "
" أن يكون الأمر كسولاً ؟ "
" لا , ليس أن يكون كسولاً ـ بل أن يستمتع به , لابد أنه عجوز جداً ــ "
توقفت عن الكلام , فقلت : " إنه رجل عجوز بالفعل . "
" لا أقصد أن يكون عجوزاً بهذا المعنى . بل أقصد أن يكون عجوزاً بـ ... "
قلت : " تقصدين أن على المرء أن يرقى إلى درجة عالية من التحضر حتى تظهر له الأمور على هذا النحو ـ إنها وجهة نظر معقدة ؟ أعتقد أنه يجب أن تكملي تعليمك يا ميجان عن طريق قراءة مائة قصيدة مترجمة عن الصينية . "
3
قابلت سيمنجون في وقت متأخر من اليوم .
سألته : " هل تمانع في أن تبقى ميجان معنا لبعض الوقت ؟ إن جوانا سعيدة بها ـ فهي تشعر بالوحدة أحياناً لعدم وجود أحد من أصدقاءها . "
" أوه ـ من ـ ميجان ؟ أوه , هذا كرم بالغ منك . "
كرهت سيمنجتون منذ ذلك الحين كراهية لم أتمكن من التغلب عليها . فقد بدا واضحاً أنه نسي كل شيء يمت بصلة لميجان . لم أكن لأبالي بو أنه كره الفتاة ـ فالرجل أحياناً يغار من أطفال الرجل السابق ـ بيد أنه لم يكن يكرهها , بل إنه لم يكن يلاحظ وجودها من الأساس . فمثل سيمنجتون وميجان مثل رجل لا يهتم بالكلاب وكان هناك كلب بمنزله , فلا ينتبه لوجوده إلا عندما يصطدم به فيوبخه , وأحياناً يربت عليه شذراً عندما يأتي ويتمسح به . لقد ضايقتني اللامبالاة التي أبداها سيمنجتون تجاه ابنة زوجته .
قلت : " ما خططك بشأنها ؟ "
بدا وكأنه فوجئ بسؤالي , فقال : " بشأن ميجان ؟ حسناً , سوف تعيش كما كانت في المنزل . أقصد بالطبع , أنه منزلها . "
كانت جدتي التي أحببتها كثيراً , تغني أغاني قديمة على الجيتار الخاص بها . وأذكر أن نهاية إحدى هذه الأغاني كانت كالتالي :
(( أوه يا عزيزتي , أن لست هنا
ليس لي مكان أو بيت ,
لم يعد لي مأوى , في البحر أو على الشط ,
فمكاني الوحيد في قلبك . ))
ظللت أرددها وأنا في طريق المنزل .
4
جاءت إيميلي بارتون بعد أنم انتهينا من تناول الشاي مباشرة . كانت تريد الحديث عن الحديقة , فأخذنا نتحدث ونحن نتجول هناك لمدة نصف ساعة تقريباً . ثم عدنا أدراجنا إلى المنزل .
وعندئذ أخفضت صوتها , وتمتمت قائلة : " أتمنى ألا تكون هذه الطفلة ـ مستاءة من هذا الحدث المروع . "
" أتقصدين موت أمها ؟ "
" نعم , بالطبع , ولكني في الحقيقة قصدت الإساءة المختلفة عنه . "
اعتراني الفضول , فأردت أن أعرف ردة فعل الآنسة بارتون .
" ما رأيك في تلك الإساءات ؟ أكانت حقيقية ؟ "
" كلا , كلا , بالتأكيد لم يكن بها شيء من الحقيقة . فأنا متأكدة تماماً أن السيدة سيمنجتون لم تكن ـ لم أعني أنه لم يكن."احمر وجه الآنسة بارتون ورتبكت ــــ " أقصد أن تلك الإساءات ليست حقيقية على الإطلاق ـ على الرغم من أنها قد تكون بمثابة حكم . "
قلت محدقاً إليها : " حكم ؟ "
ازداد احمرار وجه إيميلي بارتون وارتعشت شفتاها .
" لا أستطيع منع نفسي من الشعور بأن هذه الخطابات المروعة , وكل الحزن والألم الذي سببته , ربما يتم إرسالها لغرض ما . "
قلت مقطباً جبيني : " لقد أرسلت لغرض ما بكل تأكيد . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , لقد أسأت فهمي . إنني لا أتحدث عن هذا المخلوق الضال الذي كتبها ـ فلابد أنه شخص منبوذ تماماً . وإنما أعني أن الله قد ابتلانا بها ليوقظ ضميرنا وينبهنا إلى أخطائنا ."
قلت : " إن الله لا يجبر الإنسان على فعل الشر , فالإنسان هو الذي يوعز إلينا بالشرور . "
" ما لا أستطيع فهمه أبداً هو ما الذي يدفع أي إنسان إلى فعل شيء كهذا ؟ "
هززت كتفي قائلاً : " عقلية مريضة . "
" يبدو أنه إنسان تعيس جداً . "
" لا يبدو لي أنه تعيس , وإنما هو ملعون , وأنا لست نادماً على هذا الوصف , بل أعنيه تماماً . "
اختفت الحمرة عن وجنتا الآنسة بارتون وأصبحتا شاحبتين .
" ولكن لماذا يا سيد بيرتون , لماذا؟أية سعادة يحصل عليها المرء من شيء كهذا؟ "
" لا أستطيع أنا ولا أنتي فهم ذلك , وهذا من فضل الله علينا . "
أخفضت إيميلي بارتون صوتها قائلة : " يقولون أنها السيدة كليت ـ ولكنني لا أستطيع تصديق هذا . "
هززت رأسي , بينما واصلت حديثها مهتاجة : " لم يحدث شيئ كهذا من قبل , على أن أذكر أنه قد كان مجتمعاً صغيراً يعيش في سعادة . ترى ماذا كانت أمي العزيزة لتقوله عما يحدث الآن ؟ حسناً , إنني أحمد الله لأنها ماتت قبل أن ترى مثل هذه الأشياء . "
من خلال ما عرفته عن السيدة بارتون الراحلة فإنها كانت صلبة بما فيه الكفاية لتحمل أي شيء , بل وربما كانت لتستمتع بهذا الحديث المثير .
واصلت إيميلي حديثها : " إنها تحزنني كثيراً . "
" ألم ـ ألم تتلق رسالة من هذه الرسائل المجهولة ؟ "
احمر وجهها وقالت : " أوه , لا ـ أوه , لا , حقاً . أوه ! هذا الشيء كان ليصيبني بالرعب . "
اعتذرت بسرعة , ولكنها غادرت مستاءة .
دخلت إلى المنزل ,كانت جوانا تقف في حجرة الرسم بجوار النار التي أشعلتها للتو, حيث كان الجو بارداً الليلة .
" جيري ! لقد وجدت هذا في صندوق الخطابات , مرسلاً باليد . حيث تقول بداية الخطاب : " أنت أيتها الساقطة . "
" ماذا بها أيضاً غير ذلك ؟ "
" قطبت جوانا جبينها قائلة : " نفس السخافات السابقة . "
ألقتها في النار , فقفزت قفزة سرعت آلمت ظهري والتقطتها قبل أن تلمسها النار .
قلت : " كلا , قد نحتاج إليها . "
" نحتاج إليها ؟ "
" لتقديمها للشرطة . "
5
في صباح اليوم التالي جاء المفتش ناش لرؤيتي . منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها أعجبت به , فقد كان نموذجاً مثالياً لرجل الشرطة , كان طويل القامة , ذا مظهر عسكري , وعيناه تنمان عن الذكاء والفطنة .
قال : " صباح الخير يا سيد بيرتون , أعتقد أنك تعرف سبب مجيئي إليك . "
" نعم , أعتقد أنها مسألة الرسائل . "
أومأ برأسه قائلاً : " أظن أنك تلقيت واحدة منها . "
" نعم , بعد وصولنا هنا مباشرة . "
" ما فحواها بالضبط ؟ "
فكرت قليلاً ثم ذكرت له كلمات الرسالة بأكبر قدر ممكن من الدقة .
استمع مفتش الشرطة بوجه خال من التعبيرات , وعندما أنهيت كلامي قال : " إذن لم تحتفظوا بالرسالة سيد بيرتون ؟ "
" آسف , لم نفعل.فقد كنت أظنه مجرد نوعاً من النكاية في وافدين جدد في القرية. "
أحنى مفتش الشرطة رأسه متفكراً . ثم قال في اقتضاب : " يا للأسف . "
قلت : " ومع ذلك فقد تلقت أختي واحدة في الأمس . وأنقذتها بصعوبة بعدما ألقتها في النار . "
" شكراً لك يا سيد بيرتون , فقد كان هذا جميلاً منك . "
ذهبت إلى مكتبي وفتحت الدرج الذي وضعتها فيه , فقد فكرت أنه ليس من المناسب أن تراها بارتريدج.أخذتها وأعطيتها لناش.فنظر إليها بسرعة , قم نظر إلي وقال: "
هل لها نفس مظهر الرسالة السابقة ؟ "
" أعتقد ذلك , إن لم تخني الذاكرة . "
" نفس الفارق بين المظروف ونص الرسالة . "
قلت : " نعم , فقد كان المظروف مطبوعاً على آلة كاتبة , أما الرسالة نفسها فقد كانت عبارة عن كلمات مأخوذة من كتاب وملصقة على ورقة بيضاء . "
أومأ ناش ووضعها في محفظته , ثم قال : " إنني أتساءل يا سيد بيرتون إن كنت تمانع في مرافقتي إلى قسم الشرطة ؟ حيث نستطيع هناك التحاور مع أفراد آخرين ونوفر على أنفسنا الكثير من الوقت والتداخل . "
قلت : " بالطبع , هل يمكن أن آتي الآن ؟ "
" إن لم يكن لديك مانع . "
كانت سيارة الشرطة تنتظر أمام الباب , فاستقللنا السيارة متوجهين نحو قسم الشرطة .
قلت : " أتظن أنك ستصل إلى نتيجة بخصوص هذه المشكلة ؟ "
أومأ ناش بثقة واضحة .
" أوه , نعم , سوف نصل إلى الفاعل بسهولة . إنها مسألة وقت وروتين , فهذه القضايا تسير ببطء , ولكن حلها أمر مؤكد . إنها مسألة تضييق الاحتمالات . "
قلت : " أتعني التركيز على أسماء بعينها واستثناء الأخرى ؟ "
" نعم , بالإضافة إلى بعض المهام الروتينية . "
" أتقصد مراقبة صناديق البريد , وفحص الآلات الكاتبة , والبصمات , وما إلى ذلك ؟ "
ابتسم قائلاً : " تماماً , كما تقول . "
في قسم الشرطة وجدنا سيمنجتون وجريفيث هناك وعرفني ناش على رجل ذي ذقن بارز وطويل يرتدي ملابس مدنية , وقال لي إنه المفتش جريفز .
شرح ناش قائلاً : " لقد جاء المفتش جريفز من لندن لمساعدتنا . إنه خبير في الرسائل مجهولة المصادر . "
ابتسم المفتش جريفز ابتسامة كئيبة . فتراءى لي على الفور أن الحياة التي يمضيها صاحبها في اقتفاء أثر كاتبي الرسائل المجهولة لابد وأن تصيبه بالاكتئاب . ومع ذلك فقد أظهر المفتش جريفز حماساً به مسحة من الكآبة .
قال بصوت عميق حزين أشبه بكلب بوليسي محبط : " إن هذه القضايا متشابهة إلى حد كبير . فقد تدهش من مدى تشابه كلمات وصياغة هذه الرسائل . "
قال ناش : " لقد قابلنا قضية مشابهة قبل سنتين وساعدنا المفتش حينئذ . "
رأيت بعض الرسائل على الطاولة أمام جريفز , لابد وأنه كان يتفحصها .
قال ناش : " من الصعب الحصول على رسائل من هذا النوعية , وذلك لأن الناس إما يحرقونها أو أنهم لا يعترفون بتلقيها من الأساس. فالناس هنا ـ كما رأيت بنفسك ـ أغبياء, ويخشون التعامل مع الشرطة , فهم متخلفون إلى حد كبير . "
قال جريفز : " غير أننا تلقينا عدداً من هذه الرسائل يكفي لبدأ التحري وكشف الجاني . " في تلك الأثناء أخرج ناش من جيبه الرسالة التي أعطيته إياها وسلمها لجريفز .
ألقى الأخير نظرة سريعة عليها , ثم وضعها بجانب الرسائل الأخرى وقال في سعادة ورضى : " رائع جداً ـ رائع جداً . "
لم أكن أظن أن هذه الرسائل البذيئة قد تبث السعادة في نفس أحد , غير أنه يبدو أن للخبراء وجهة نظر خاصة في هذا الصدد .
قال المفتش جريفز : " أعتقد أننا حصلنا على عدد كاف من الرسائل للبدء في العمل , وسوف أطلب منكم أيها السادة , إذا تلقيتم المزيد منها , أن تبلغونا على الفور ؛ وكذلك إذا سمعتم أن أحداً تلقى رسالة مجهولة المصدر ـ وبخاصة أنت , أيها الطبيب بين مرضاك , فابذلوا ما بوسعكم لإقناعه بالمجيء إلينا وإبلاغنا عنها . لدينا ـ " قلب الرسائل بأطراف أصابعه , مستطرداً : " واحدة للسيد سيمنجتون تلقاها منذ شهرين , وواحدة للسيد جريفيث , وواحدة للآنسة " جينش " , وأخرى لجينيفر كلارك , النادلة بمطعم " ثري كراونز " , والرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون , وأخيراً تلك التي تسلمتها الآنسة بيرتون . أوه , نعم , ورسالة بعثها لنا مدير البنك . "
قلت : " إنها مجموعة تمثل جميع الشرائح . "
" ولا تختلف عن القضايا المماثلة ! فهي شديدة الشبه بتلك الرسائل التي كانت تكتبها تلك المرأة المخبولة , كما أنها صورة طبق الأصل من تلك الرسائل التي واجهناها في نوثرمبلاند ـ والتي كتبتها إحدى الطالبات بالمدرسة . بوسعي أن أعلن لكم أيها السادة أنني أود رؤية شيء مختلف . "
قلت متمتماً : " لا جديد تحت الشمس . "
" بالضبط يا سيدي . ولو كنت تعمل في نفس مهنتنا لتبين لك صدق هذه المقولة . "
تنهد ناش قائلاً : " نعم , بالفعل . "
سأل سيمنجتون : " هل توصلتم إلى رأي محدد بشأن كاتب هذه الرسائل ؟ "
" هناك أوجه شبه مشتركة بين كل هذه الرسائل . وسوف أوضحها لكم أيها السادة لعلها توحي لكم بشيء يساعدنا . إن نص الرسائل يتألف من كلمات مصنوعة من أحرف منفصلة قطعت من كتاب مطبوع , إنه كتاب قديم وأظنه طبع عام 1830 . ومن الواضح أن هذا النهج قد اتُبع لتجنب خطر التعرف على الكاتب من خلال خط يده والذي يعتبر أمراً في غاية السهولة . كما يعرف الجميع الآن .... وما يسمى استخدام اليد الخفية في الكتابة أصبح أمراً غير ذي جدوى إن واجهه خبير محنك . وليس هناك بصمات على الرسائل , كما أن المظاريف لها أشكال مختلفة , وقد تعامل معها رجال البريد , والمرسل إليهم , وهناك رسائل أخرى عليها بصمات غير واضحة , ولكن لا يجمعها شيء واحد , مما يشير إلى أن الراسل كان حريصاً على أن يرتدي قفازات , وقد تمت كتابة العناوين على المظاريف بآلة كاتبة مهترئة من طراز وندسور 7 بها حرفا الألف والتاء خارجان على الخط المستقيم . وقد أُرسل معظمها من البريد المحلي أو وضعت باليد في صندوق الرسائل المنزلي . وقد كتبتها امرأة , وأنا أعتقد أنها امرأة في متوسط العمر أو أكبر ,وربما كانت غير متزوجة,على الرغم من أني غير متأكد. "
استمعنا بإنصات لدقيقة أو اثنتين دون أن نقاطعه , ثم قلت : " إنك تراهن على الآلة الكاتبة , أليس كذلك ؟ فلابد أنه من السهل الوصول إليها في قرية صغيرة كهذه . "
هز المفتش جريفز رأسه بحزن وقال : " إنك مخطئ في هذا يا سيدي . "
قال مراقب الشرطة ناش : " الآلة الكاتبة , للأسف , يسهل الوصول إليها . فهي آلة قديمة من مكتب السيد سيمنجتون , وقد تبرع بها لصالح جمعية المرأة , وأعتقد أنه من السهل الوصول إليها , حيث يذهب الكثير من السيدات هنا إلى الجمعية . "
" ألا تستطيع تحديد شيء معين من اللمسة الفنية , كما تطلقون عليها ؟ "
أومأ جريفز مرة أخرى .
" نعم , هذا ممكن بالطبع ـ غير أن المظاريف قد طُبعت كلها بواسطة شخص يستخدم إصبعاً واحداً . "
هو إذن شخص غير بارع في استخدام الآلة الكاتبة ؟ "
" كلا , أنا لا أعني ذلك . بل أعني أنه شخص يجيد استخدام الآلة الكاتبة ولكنه لا يريدنا أن نتعرف على حقيقته . "
" أياً كان كاتب هذه الأشياء فلابد أنه ماكر . "
قال جريفز : " إنها يا سيدي تستخدم كل الحيل الممكنة . "
قلت : " لم أكن أظن أن هؤلاء النسوة القرويات لديهن هذه العقول . "
سعل جريفز , قائلاً : " أخشى أنني لم أكن واضحاً , ولكن هذه الرسائل كتبت على يد امرأة مثقفة . "
" ماذا ؟ أتعني أنها " ليدي " ؟ "
خرجت مني الكلمة عفوياً . فلم أستخدم هذه الكلمة منذ سنوات . ولكنها الآن جاءت على شفتي تلقائياً , بعد مضي أيام طوال منذ أن عرفتها , منذ أن كانت جدتي تقول بصوت تفوح منه رائحة العجرفة التلقائية : " بالطبع إنها ليست ليدي يا عزيزي . "
فهم ناش ما أقصده على الفور , فقد كانت كلمة ليدي لا تزال تعني شيئاً له .
قال : " ليس بالضرورة أن تكون ليدي , ولكنها بالتأكيد ليست امرأة قروية . فمعظمهن أميات هنا لا يستطعن هجاء الكلمات , وقطعاً لا يستطعن التعبير بطلاقة . "
لذت بالصمت بعدما صدمت بهذه التعقيدات . إذ إن المجتمع هنا صغير للغاية . وقد تخيلت في اللاوعي أن كاتبة الرسائل هي السيدة كليت وأضرابها من النساء , فهي امرأة ماكرة .
صاغ سيمنجتون أفكاري بكلمات , حيث قال بحدة : " ولكن هذا يضيق نطاق البحث إلى ست أو اثنتي عشر امرأة على الأكثر ! "
" هذا صحيح . "
" لا أصدق ! "
عندئذ قال سيمنجتون بصوت تكسوه المرارة , وكأنه يخرج الكلمات بصعوبة : " لقد سمعت ما ذكرته في الاستجواب . وإذا ما كنت تعتقد أن تلك الشهادة كانت بناء على رغبة مني لحماية ذكرى زوجتي , فإنني أود أن أكرر الآن أنني مقتنع تمام الاقتناع بأن كل ما ورد في الرسالة التي تسلمتها زوجتي كان محض افتراءات . لقد كانت زوجتي حساسة ورقيقة للغاية , وربما يمكنكم اعتبارها عصبية . ومثل هذه الرسالة من شأنها أن تسبب لها صدمة نفسية عنيفة , بالإضافة إلى أنها كانت معتلة الصحة . "
رد جريفز على الفور : " هذا صحيح إلى حد كبير يا سيدي , فهذه الرسائل لا تشير إلى أن كاتبها واثق من معلوماته . إنها مجرد اتهامات عمياء . ولم يكن هناك ابتزاز . ولا يبدو أن بها أي تحيز ديني ــ كما يحدث في بعض الأحيان . إنها فقط مليئة بالجنس والبغضاء ! وهذا يعطينا مؤشراً جيداً للتعرف على الكاتب . "
نهض سيمنجتون , وقال بشفتين مرتعشتين : " أتمنى أن تجد الشيطانة التي كتبت هذه الرسائل اللعينة سريعاً . لقد قتلت زوجتي كما لو أنها غرست سكيناً في قلبها . " صمت قليلاً ثم أضاف : " إنني أتساءل , ما شعورها الآن ؟ " . خرج تاركاً السؤال بدون إجابة.
سألت : " ما شعورها الآن يا جريفيث ؟ " وبدا لي أن الإجابة في نطاق اختصاصه .
" الله أعلم . ومن جانب آخر , فقد تكون مستمتعة بقوتها . فلابد أن موت السيدة سيمنجتون قد أشبع جنونها . "
قلت برعشة خفيفة : " لا أتمنى ذلك . لأنها إن كانت كذلك , فسوف ــ "
ترددت فيما أنهى ناش عبارتي قائلاً : " فسوف تحاول مرة أخرى ؟ إن هذا ما نتمنى حدوثه يا سيد بيرتون . وتذكر أن الضمآن يذهب إلى البئر كثيراً . "
صحت قائلاً : " سوف تكون مجنونة إن واصلت عملها هذا . "
قال جريفز : " سوف تواصل . فهذا النوع دائماً ما يفعل . إنه شيء يجري في دمائهم ولا يستطيعون التخلص منه . "
هززت رأسي وأنما أرتعد . ثم سألتهم إن كانوا يحتاجون إلي في شيء آخر , فقد كنت أريد الخروج في الهواء , حيث بدا الجو هنا مفعماً بالشر .
قال ناش : " لا يوجد لدينا المزيد يا سيد بيرتون كل ما عليك هو أن تبقي عينيك مفتوحتين , وتبذل ما بوسعك للدعاية ـ كأن تحث الجميع على إبلاغنا بأي رسالة يتلقونها من هذا النوع . "
أومأت برأسي قائلاً : " أعتقد أنه ما من أحد هنا إلا وتلقى رسالة من هذا النوع . "
قال جريفز : " هل تعرف أحداً , على وجه التحديد , لم يتلق رسالة ؟ "
" يا له من سؤال غريب ! فليس من المتوقع أن يبوح كل السكان بأسرارهم . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , إنني لم أقصد ذلك , فقط أردت أن أتساءل إن كنت تعرف أي شخص وتثق تماماً أنه لم يتلق رسالة مجهولة ؟ "
ترددت ثم قلت : " حسناً , أعرف إلى حد ما . "












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-15-2011   #24

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

ثم ذكرت له الحوار الذي دار بيني وبين إيميلي بارتون وما قالته لي .
تلقى جريفز المعلومة بوجه جامد خال من التعبير , ثم قال : " حسناً , قد يأتي هذا بفائدة. سوف أسجله . "
خرجت في شمس ما بعد الظهيرة مع أوين جريفيث . وما أن وطأت الشارع حتى صحت بأعلى صوتي : " ما هذا المكان الذي جئت إليه من أجل الاسترخاء والاستمتاع بدفء الشمس والاستشفاء ؟ إنه مكان مليء بالسموم الفتاكة , على الرغم من أنه يبدو ظاهرياً مكاناً آمناً وجميلاً كجنة على الأرض . "
قال جريفيث بطريقة جافة : " حتى أفضل الأماكن بها شياطين . "
" أخلصت إلى شيء يا جريفيث ؟ هل خرجت منهم بأي فكرة عن الموضوع . "
" لا أدري , فالشرطة لديها أساليبها الخاصة . حيث يبدون صرحاء معك , ولكنهم لا يخبرونك بشيء . "
" نعم , إن ناش شرطي لطيف . "
" كما أنه قدير كذلك . "
قلت بنبرة اتهام : " إن كان هناك معتوه في البلدة , فيجب أن تعرفه . "
هز جريفيث رأسه , وبدا محبطاً , ولكنه كان أكثر من ذلك ـ لقد كان قلقاً . فتساءلت إن كان لديه فكرة من نوع ما .
أخذنا نسير عبر الشارع الرئيسي , ثم توقفت عند باب وكلاء العقارات .
" أعتقد أن الدفعة الثانية من الإيجار قد حان وقتها . لقد فكرت في دفعها , ثم الرحيل مباشرة أنا وجوانا . "
قال أوين : " لا تفعل . "
" لم لا ؟ "
لم يجب لكنه قال ببطء بعد دقيقة أو دقيقتين : " على كل ـــ أعتقد أنك محق . فلم تعد لايمستوك مكاناً صحياً . بل ربما كانت ضارة عليك أنت وأختك . "
قلت : " لا شيء يضر جوانا , فهي صلبة , ولكنني أنا الضعيف . فهذه الأحداث تؤثر على حالتي بشدة . "
قال أوين : " تؤثر على حالتك ؟ "
دفعت باب الوكلاء ففتحته نصف فتحة .
قلت : " ولكنني لن أذهب . فالفضول أقوى عندي من الألم . إنني أريد معرفة الحل . "
دلفت إلى الداخل .
نهضت امرأة كانت تكتب على الآلة الكاتبة , وتقدمت نحوي . كان شعرها متجعداً وابتسامتها متكلفة , ولكنني وجدتها أكثر ذكاء من تلك الفتاة ذات النظارات والتي كانت تتمايل في المكتب الخارجي .
بعد دقيقة خطر ببالي شيء مألوف فقلت : " إنها الآنسة جينش , التي أصبحت فيما بعد كاتبة لدى سيمنجتون . " ثم علقت على هذه الحقيقة قائلاً : " لقد كنت تعملين بمكتب " جالبرث سيمنجتون . " أليس كذلك . "
" بلى , بلى , حقاً . ولكنني كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أترك ذلك المكان . فهذه وظيفة جيدة ,وإن كان مرتبها ليس كبيراً.ولكن هناك أشياء أهم من المال , أليس كذلك؟ "
قلت : " بلا شك . "
تنهدت الآنسة : " تلك الرسائل الرهيبة , لقد تلقيت واحدة منها , تتحدث عني وأنا وسيمنجتون ـ أوه , لقد كانت فظيعة , وكل ما بها كان مرعباً . لقد عرفت واجبي وأخذتها إلى الشرطة , على الرغم من أنها لم تكن لطيفة أبداً , أليس كذلك ؟ "
" بلى , بلى , إنها رسائل وقحة . "
" ولكنهم شكروني وقالوا إنني فعلت الصواب . ولكنني شعرت بعد ذلك بأنه من المؤكد أن الناس في البلدة كانوا يتحدثون عني ــ ولابد أنهم كانوا يفعلون , وإلا من أين حصل كاتب الرسالة على الفكرة ؟ يجب علي تجنب الشائعات , على الرغم من أنه لم هناك أي شيء بيني وبين السيد سيمنجتون . "
شعرت بالحرج الشديد .
" بلى , بلى , بالطبع لم يكن بينك وبينه شيئ . "
" ولكن عقول الناس مليئة بالشر , نعم إنها عقول شريرة . "
على الرغم من المحاولات المضنية , إلا أن عيني التقت بعينيها واكتشفت شيئاً فظيعاً .
فقد كانت الآنسة جينش مستمتعة بما حدث .
ها قد وجدت اليوم شخصاً يتفاعل بسعادة مع الرسائل المجهولة . لقد كان مفتش الشرطة جريفز حماساً مهيناً . أما استمتاع الآنسة جينش فقد تراءى لي موحياً بشيء وكريهاً في الوقت ذاته .
ولمعت فكرة في ذهني المشوش .
هل الآنسة جينش هي من يكتب الرسائل ؟

يتبع ...












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-15-2011   #25

بهــــاء الزعيم

بهــــاء الزعيم غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 114
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 الجنس : ~ MALE/FE-MALE ~
 المكان : ابــــ ظبي ــو
 المشاركات : 474
 النقاط : بهــــاء الزعيم is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 16

مزاجي:
افتراضي

ننتظر .........................












 
التوقيع - بهــــاء الزعيم

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-15-2011   #26

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

تكرم عينيك ابن الاخ بهاء .......












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-16-2011   #27

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

الفصل السابع

1
عدت إلى البيت فوجدت السيدة دين كالثروب جالسة تتحدث مع جوانا . بدت لي كئيبة ومريضة . قالت : " لقد كانت هذه صدمة مروعة لي يا سيد بيرتون , مسكينة , مسكينة . "
قلت : " نعم , إنه لشيء مروع أن تفكري في يقوده أحدهم إلى الإنتحار . "
" أوه , أتقصد السيدة سيمنجتون ؟ "
" ألا ترين أنت ذلك ؟ "
هزت السيد كالثروب رأسها قائلة : " بالطبع إن المرء ليأسف عليها , ولكن ذلك كان سيحدث على أية حال , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا بجفاء : " سيحدث ؟ "
التفتت دين كالثروب إلى جوانا .
" أوه , أعتقد ذلك يا عزيزتي . إذا كان اانتحار وسيلة لهروبك من المشاكل فلا يهم كثيراً نوعية المشكلة التي أدت إلى ذلك . فلو أنها واجهت صدمة كبيرة , لارتكبت نفس الفعلة . إذن فالمهم أنها كانت من هذه النوعية من النساء اللاتي يبغضهن الجميع , فقد كانت أنانية وغبية ومتشبثة بالحياة . يخيل لمن يراها أنها ليست من النوع الذي يحزن الإنسان من أجله ـ ولكنني بدأت أدرك كم كنت لا أعرف الكثير عن الآخرين . "
قلت معلقاً : " ولكنني ما زلت أشعر بالفضول لمعرغة من تقصدين بقولك (( مسكينة )) . "
أخذت تحدق إلي ثم قالت : " إنها المرأة التي تكتب الرسائل بالطبع . "
قلت بجفاء : " لا أعتقد أن مثل هذه المرأة تستحق أي تعاطف . "
مالت السيدة دين كالثروب للأمام . ووضعت يدها على كبتها قائلة : " لكن ألا تفهم ـ ألا تشعر ؟ استخدم خيالك . فكر في مدى الإحباط والتعاسة التي يعاني منها قطعاً كل من يكتب هذه الأشياء . كم هي وحيدة ومنعزلة عن الآخرين ! تتجرع السموم واحداً تلو الآخر ولا تجد متنفساً لها إلا بهذه الطريقة . لذا فإنني أشعر بتأنيب الضمير , لأن في هذه البلدة من يعيش في كل هذه التعاسة , ولا أعرف عنه شيئاً كان لابد أن أعرفه . يمكنك تغيير مجرى الأحداث , لا أفعل ذلك أبداً . ولكن الشعور بالتعاسة أشبه بذراع متعفنة , انتفخت وأسود لونها . ولو أحدثت فيها ثقباً وتركت السم يتدفق لتخلص من كل سمومها دون أن يصيبها بأذى . نعم , إنها مسكينة , مسكينة . "
نهضت وهمت بالمغادرة .
لم أكن متفقاً معها في الرأي . فلم أستطع أن أكن أي نوع من التعاطف مع كاتب رسائلنا المجهولة أياً كان ما به , ولكنني سألت بفضول : " سيدة كالثرب , ألديك أية فكرة عن هوية كاتبة الرسائل ؟ "
نظرت إلي بعينيها الصغيرتين المرتبكتين قائلة : " حسناً , أستطيع أن أخمن . لكنني قد أكون مخطئة , أليس كذلك ؟ "
وفيما كانت عند الباب مستعدة للخروج , استدارت لتسأل : " أخبرني , لماذا لم تتزوج إلى الآن يا سيد بيرتون ؟ "
لو أن شخصاً آخر هو من طرح هذا السؤال لقلت أنه وقح . ولكنك تشعر بأن الفكرة قد طرأت فجأة على ذهنها وأنا أرادت حقاً أن تعرف .
قلت مستجمعاً قواي : " هل يمكن القول أنني لم أقابل المرأة المناسبة ؟ "
قالت السيدة كالثروب : " يمكننا قول ذلك , ولكنها ليست بالإجابة السديدة , لأنه من الواضح أن الكثير من الرجال تزوجوا من نساء غير مناسبات ؟ "
في هذه المرة غادرت بالفعل .
قالت جوانا : " إنني أظن أنها مجنونة حقاً , ولكنني أحبها , إن الناس في القرية هنا يخشونها . "
" وهكذا أنا , إلى حد ما . "
" ألأنك لا تستطيع توقع تصرفاتها ؟ "
" نعم , بالإضافة إلى تخميناتها الغريبة . "
قالت جوانا ببطء : " هل تعتقد أن كاتب هذه الرسائل تعيس حقاً ؟ "
" لا أعرف ما الذي تفكر فيه أو تشعر به هذه الشيطانة اللعينة . فهذا لا يعنيني شيئاً . ولكن ضحاياها هم الذين آسف عليهم . "
بدا لي غريباً الآن أن تحليلنا لعقلية صاحب القلم المسموم أهمل أوضح الجوانب . فقد تصورت جريفيث أنه ربما تكون مبتهجة , بيسنما تخيلتها أنا نادمة ـ مذعورة مما جنت يداها . أما السيدة كالثروب فترى أنها تشعر بمعاناة شديدة .
غير أن رد الفعل الحتمي والواضح الذي نفكر فيه ـ أو بالأحرى لم أفكر أنا فيه ـ هو الخوف .
فبعد موت السيدة سيمنجتون , انتقلت الرسائل من فئة إلى أخرى . لا أعرف الموقف القانوني بالضبط ـ وإن كنت أعتقد أن سيمنجتون يعرف , ولكن من الواضح أنه مع موت شخص بفعل أحد هذه الرسائل , فقد أصبح موقف كاتبة الرسائل أكثر خطورة . فما لا شك فيه أنه إذا ما تم اكتشاف هوية كاتبة الرسائل المجهولة فلن يؤخذ الأمر على أنه مجرد هزل . وقد نشطت الشرطة وتم استدعاء خبير من سكوتلانديارد . وعلى هذا أصبح من الضروري على كاتبة الرسائل المجهولة أن تظل مجهولة .
ومع التسليم بأن الخوف هو الرد الأساسي , فإن ثمة أشياء قد تترتب عليه . ومع أنني أجهل ماهية هذه الأشياء , إلا أنني واثق من أنها ستحدث .
2
نزلت أنا وجوانا لتناول الإفطار في وقت متأخر من صباح اليوم التالي , وذلك التأخير لا يتناسب مع عادات سكان لايمستوك . فقد كانت الساعة التاسعة صباحاً , وحينما كنا في لندن كانت جوانا في تلك الساعة تفتح عينيها بالكاد , بينما أكون أنا لا أزال غارقاً في النوم . ومع ذلك فحينما قالت بارتريدج : " موعد الإفطار في الساعة الثامنة والنصف , أم التاسعة ؟ " لم أقو أنا ولا جوانا على اقتراح تأخيره ساعة أخرى .
وقد شعرت بالضيق حينما رأيت إيمي تتحدث مع مجان عند عتبة الباب .
وكعادتها أطلقت للسانها العنان عند رؤيتنا .
" مرحباً أيها الكسالى ! لقد استيقظت منذ ساعات . "
لقد كان هذا بالطبع شأنها وحدها . فعلى الطبيب أن يتناول إفطاره مبكراً , وعلى الأخت الوفية أن تصب له الشاي , أو القهوة . ولكن لا عذر لها في المجيء وإزعاج الجيران النائمين , فالتاسعة والنصف ليست بالموعد المناسب للزيارات الصباحية .
عادت ميجان إلى غرفة الطعام لإكمال إفطارها الذي ـ حسبما أعتقد ـ قطعته عليها إيمي .
قالت إيمي جريفيث : " من المناسب ألا أدخل . " ـ على الرغم من أنني لا أدري ما الذي يجعل إجبار الناس على المجيء والتحدث معهم على عتبة الباب أكثر ميزة من التحدث معهم داخل البيت . واصلت حديثها : " لقد أردت فقط أن أطلب من الآنسة بيرتون إذا كان لديها أية خضروات فائضة أن ترسلها إلى جمعية (( رد ستول )) على الطريق الرئيسي . إن كان الأمر كذلك , فسأبلغ أوين ليأخذها بسيارته . "
قلت : " لقد استيقظتِ مبكراً , وتتجولين مبكراً . "
قالت أيمي : " البركة في البكور كما يقولون . كما أن فرصتي أكبر في إيجاد الاس في هذا اليوم . سوف أذهب إلى السيد باي , ثم إلى برينتون عصر اليوم . "
قلت : " إن نشاطك يشعرني بأنني متعب جداً . " وفي تلك اللحظة دق جرس الهاتف فعدت للردهة للرد عليه , تاركاً جوانا تتمتم بشك على البازلاء والفاصوليا الفرنسية مظهرة جهلها بخضروات الحديقة .
قلت في الهاتف : " مرحباً . "
جاءني صوت مرتبك .
على الطرف الآخر من الخط كان هناك من يلتقط أنفاسه بارتباك ثم سمعت صوتاً أنثوياً يبدو عليه التشكك : " أوه ! "
قلت مرة أخرى مشجعاً : " مرحباً . "
قال الصوت مرة أخرى : " أوه ! " ثم تساءلت بارتباك : " هل هذا ـ أقصد ـ هل هذا منزل ليتل فيرز ؟ "
" نعم , هو ليتل فيرز . "
" أوه . " بدا لي أن هذه الكلمة لابد أن تأتي في افتتاحية كل جملة . تساءل الصوت بحذر : " أيمكنني محادثة الآنسة بارتريدج لدقيقة واحدة فقط ؟ "
قلت : " بكل تأكيد , أقول لها من ؟ "
" أوه , قل لها آجنس وودل . "
" آجنس وودل ؟ "
" نعم . "
مقاوماً إغراء أن أقول : " دونالد دك يتحدث معك . " وضعت سماعة الهاتف وصحت منادياً على بارتريدج في الطابق الثاني حيث كنت أسمع تحركاتها في الطابق الثاني .
" بارتريدج ! بارتريدج ! "
ظهرت بارتريدج أعلى السلم وبيدها ممسحة طويلة وفي عينيها نظرة تقول : " ما الأمر الآن ؟ " ؛ تلك النظرة التي تطل من خلف أسلوبها المهذب .
"نعم , سيدي . "
" آجنس وودل تريد الحديث معك على الهاتف . "
" معذرة يا سيدي . "
رفعت صوتي قائلاً : " آجنس وودل . "
" آجنس وودل ـ ماذا تريد الآن ؟ "
متخلية عن هدوئها , ألقت بارتريدج الممسحة وهرولت على السلم , حتى أن رداءها كان يُسمع له صوت لشدة اهتياجها .
ولكي لا أتطفل عليها عدت إلى غرفة الطعام , حيث وجدت ميجان تتناول إفطارها بنهم . وعلى العكس من إيمي جريفيث فلم تكن ميجان تبدي " وجهاً صبوحاً مشرقاً" , حتى أنها ردت علي تحية الصباح بتجهم , ثم تناولت طعامها في صمت .
فتحت جريدة الصباح وبعد دقيقتين أو ثلاثة دخلت جوانا وهي تبدو مشتتةً بعض الشيء .
قالت : " ووه ! لقد تعبت . أعتقد أنني كشفت عن جهلي التام بزراعة الخضراوات . ألا توجد فاصوليا في هذا الوقت من العام ؟ "
قالت ميجان : " في أغسطس . "
قالت جوانا : " حسناً , إن المرء يتطسع في لندن أكلها في أي وقت . "
قلت : " إنها معلبة , يا جميلتي الحمقاء , وجاءت لنا مجمدة على سفن من أقصى البلاد . "
سألت جوانا : " مثل العاج والأبنوس والطواويس ؟ "
ثم قالت متفكرة : " لكم أحب أن يكون لدي طواويس . "
قالت ميجان : " أما أن فأحب أن يكون لدي قرد . "
قالت جوانا وهي تقشر برتقالة : " إنني أتساءل كيف يكون شعوري لو كنت مثل إيمي جريفيث المفعمة بالصحة والحيوية والاستمتاع بالحياة . أتعتقدون أنها شعرت من قبل بالتعب , أو الاكتئاب ـ أو الحزن ؟ "
قلت إنني متأكدة من أن إيمي جريفيث لم تحزن يوماً , ولحقت بميجان عند الشرفة .
بينما أنا واقف أدخن غليوني سمعت بارتريدج تدخل حجرة الطعام قادمة من الردهة وسمعتها تقول بتجهم : " أمكن أن أتحدث معك لدقيقة يا سيدتي ؟ "
تمنيت ألا تبدي بارتريدج ملحوظة بأن إيميلي بارتون ستتضايق منا إذا فعلنا كذا وكذا .
واصلت بارتريدج حديثها : " يجب أن أعتذر يا سيدتي عن اتصال أحدهم بي هنا . أقصد أن الفتاة الصغيرة كان ينبغي أن تنتهج سلوكاً أفضل , فأنا لم أعتد على استخدام الهاتف ولم أسمح لإحدى صديقاتي بالاتصال بي هنا . وأنا آسفة جداً أن تصادف وتلقى سيدتي المكالمة . " قالت جوانا مهدئة إياها : " لماذا ؟ لا بأس بذلك إطلاقاً , لماذا ينبغي على صديقاتك ألا يتصلون بك إذا أرادوا محادثتك ؟ "
شعرت بأن وجه بارتريدج ـ وإن كنت لا أراه ـ قد أصبح أكثر صرامة وهي تقول : " إن مثل تلك الفعلة لم تحدث إطلاقاً في هذا البيت . ولم تكن الآنسة إيميلي بارتون لتسمح بذلك أبداً . وكما قلت فإنني آسفة على حدوثه , ولكن آجنس وودل التي فعلت هذه الفعلة كانت قلقة وهي صغيرة جداً أيضاً ولا تعرف السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
قلت بيني وبين نفسي سعيداً : " هذه ضربة يا جوانا . "
واصلت بارتريدج : " إن المتصلة تدعى آجنس , يا سيدتي , وقد اعتادت على العمل هنا تحت إشرافي . كانت تبلغ 16 عاماً عندئذٍ , وقد جاءت إلى هنا من الملجأ مباشرة . ولأنه لم يكن لديها بيت , أو أم , أو أي من الأقارب يقدم لها النصيحة , فقد اعتادت اللجوء إلي لأقدم إليها النصائح . "
قالت جوانا : " ثم ماذا ؟ " قد كان واضح أن هناك المزيد من الكلام .
" لذا فإنني أتشجع لأسألك ما إذا كان من الممكن أن تسمحي لآجنس بأن تأتي إلى هنا وتتناول الشاي معي بعد الظهر في المطبخ . فاليوم هو عطلتنا , وكما ترين فهناك شيء يقلقها تريد استشارتي فيه , ولم أكن لأجرؤ على طلب شيء كهذا في الأحوال العادية ."
قالت جوانا مرتبكة : " ولكن لماذا ينبغي ألا يأتي أي أحد لتناول الشاي معك ؟ "
انتصبت بارتريدج عندئذٍ , هذا ما قالته جوانا فيما بعد , وبدت متحفزة وهي ترد قائلة : " لم نعتد على ذلك في هذا البيت يا سيدتي , فلم تسمح السيدة بارتون أبداً بقدوم زوار إلى المطبخ , فيما عدا يوم إجازتنا , وفي ذلك الوقت كانيُسمح لنا بقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء بدلاً من الخروج , ولكن بخلاف ذلك , في الأيام العادية , لم يكن يُسمح باستقبال أي زوار . وتحافظ الآنسة إيميلي على هذه القواعد القديمة . "
إن جوانا متلطفة جداً مع الخدم ومعظمهم يحبونها ولكنها لم تستطع إذابة الجليد بينها وبين بارتريدج .
قلتُ عندما ذهبت بارتريدج وانصممت لجوانا بالخارج : " لا فائدة يا عزيزتي , فإن عاطفتك ولينك لم يقابلا بالتقدير . فالقواعد القديمة المتكلفة تتناسب مع بارتريدج ولابد من اتباع السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
" لم أسمع عن مثل هذه الغطرسة من قبل , كيف لا يسمحون لهم برؤية أصدقائهم ؟ حسناً يا جيري , ولكنهم لا يمكن أن يحبوا معاملتهم كالعبيد . "
قلت : " من الواضح أنهم يجبون هذه المعاملة , على الأقل بارتريدج . "
" لا يمكنني تخيل سبب بغضها لي , بينما معظم الناس يحبونني . "
" ربما تبغضك لأنك ربة منزل غير قديرة , فأنت لا تمررين يديك على الأرفف لتعرفي إن كان بها بقايا أتربة عالقة كما أنك لا تنظرين تحت السجاد , ولا تسألين عما حدث لبقايا كعكة الشيكولاتة , ولا تطلبين أبداً كريم الخبز اللذيذ . "
قالت جوانا : " أوه ! "
ثم استطردت بحزن : " لقد فشلت في كل شيء اليوم , فقد احتقرتني إيميلي جريفيث لجهلي بمملكة الخضروات , وازدرتني بارتريدج لمعاملتي لها بإنسانية . يجب أن أذهب الآن إلى الحديقة وآكل الدود . "
قلت : " إن ميجان هناك بالفعل . "
كانت ميجان تتجول هناك منذ بضع دقائق , وهي الآن تقف بلا هدف وسط العشب مثل طائر متأمل ينتظر طعامه .
غير أنها جاءت إلينا وقالت بعصبية : " أعتقد أنني يجب أن أعود إلى المنزل اليوم . "
قلت مستاءً : " ماذا ؟ "
واصلت كلامها بوجه تكسوه الحمرة , ولكنها كانت تتحدث بعزم وتصميم : " لقد كنتم في غاية الكرم معي وأعتقد أنني كنت مصدر إزعاج لكما , لكنني استمتعت برفقتكما كثيراً , وعلي أن أغادر الآن , لأنه منزلي على أية حال ولا يستطيع المرء أن يبتعد عن منزله للأبد , لذا أعتقد أنني سأغادر هذا الصباح . "
حاولت أنا وجوانا إثناءها عن رأيها , ولكنها كانت مصرة , وأخيراً أخرجت جوانا السيارة وصعدت ميجان للطابق العلوي,وهطت بعد بضع دقائق وهي تحمل متعلقاتها .
كانت بارتريدج الشخص الوحيد الذي بدا سعيداً , فقد كانت ترسم ابتسامة على وجهها المتجهم , حيث إنها لم تحب ميجان أبداً .
كنت أقف في وسط العشب عندما عادت جوانا .
سألتني إذا كنت أعتقد أنني ساعة شمسية .
" لماذا ؟ "
" لأنك تقف مثل تمثال الحديقة , غير أننا لا نستطيع أن نضع عليك المؤشر الذي يحدد الساعات الشمسية . لقد كنت متعكر المزاج . "
" إنني في حالة مزاجية سيئة . فقد استيقظنا على صوت إيمي جريفيث . " تمتمت جوانا : " يا إلهي ! أكان علي أن أتحدث عن تلك الخضروات ! " . وأضفت : " ثم غادرتنا ميجان , وقد كنت أنوي التريض بصحبتها حتى ليج بوتر . "
قالت جوانا : أعتقد أنك كنت ستأخذ معك طوقاً وحبلاً . "
" لماذا ؟ "
كررت جوانا جملتها بصووت مرتفع بينما استدارت نحو ركن المنزل متجهة إلى حديقة المطبخ : " لقد قلت : ( أعتقد أنك ستأخذ معك حبلاً وطوقاً ؟ ) لقد فقد السيد كلبه , وهذا ما يضايقك . "
3
يتبع............











 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-16-2011   #28

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

يضايقك . "
3
يجب أن أعترف بأنني تضايقت من الطريقة التي غادرتنا بها ميجان . ربما ملت منا فجأة . فعلى كل حال , لم تكن حياتنا مسلية لفتاة في مثل سنها . أما في منزلها فهناك طفلان وإلسي هولاند .
سمعت وقع خطوات جوانا فتحركت بسرعة حتى لا تمطرني بمزيد من تعليقاتها الوقحة عن الساعة الشمسية .
جاء أوين جريفيث بسيارته قبل الغداء بوقت قصير , وقد كان البستاني في انتظاره بخضروات الحديقة .
وبينما كان آدمز العجوز يضع الخضرات في السيارة , دعوت أوين للدخول معي إلى البيت لتناول بعض العصير . ولم يكن مقرراً أن يبقى معنا إلى الغداء .
وعندما دخلت بالشراب وجدت جوانا قد نصبت شباكها .
لم يكن هناك أي مؤشرات للعداء حتى الآن . فقد كانت متكومة في ركن الأريكة وهي تطرح على أوين أسئلة عن عمله ؛ ما إذا كان يحب عمله كممارس عام , وما إذا كان يحب التخصص في ناحية معينة . وقد كانت ترى مهنة الطب واحدة من أروع الأشياء في العالم .
يمكنك أن تقول عنها ما تشاء , ولكن جوانا مستمعة رائعة . وبعد استماعها للكثير ممن يدّعون العبقرية والذين يخبرونها بمدى التجاهل الذي يلقونه وعدم تقدير عبقريتهم , فإن استماعها لأوين جريفيث أمر في غاية اليسر . ولم يمض الكثير من الوقت حتى كان أوين يخبرها ببعض التفاعلات والأمراض الغامضة مستخدماً تلك المصطلحات الطبية التي لا يمكن لأحد أن يفهمها إلا إذا كان طبيباً .
كانت جوانا تتظاهر بالذكاء والاهتمام البالغ .
شعرت للحظة بتأنيب الضمير . فلم يكن يجدر بجوانا أن تتلاعب بأوين جريفيث ذلك الرجل الطيب .
إن النساء ماكرات حقاً ...
ثم أخذت أدقق النظر إلى الجزءالجانبي من وجه أوين جريفيث , ورأيت لحيته الطويلة وشفتيه المتجهمتين , فشككت في قدرة جوانا على نَيْل مرادها . وعلى أية حال ينبغي على الرجل ألا يجعل نفسه دمية في يد امرأة تتلاعب به كيفما تشاء . وإن فعل فليحتمل العواقب .
وعندئذٍ قالت جوانا : " غير رأيك يا سيد جريفيث وابق معنا إلى الغداء . " , فاحمر وجه جريفيث , وقال إنه كان يتمنى ذلك إلا أن أخته تنتظر عودتها .
قالت جوانا بسرعة : " سوف نتصل بها ونشرح لها الأمر . " , ثم خرجت إلى الردهة ونفذت ما قالت .
أعتقد أن جريفيث كان مضطرباً بعض الشيء , وخطر ببالي أن كان يخشى أخته .
عادت جوانا مبتسمة وقالت أن الأمور على ما يرام .
ومكث معنا أوين جريفيث حتى موعد الغداء , وبدا لي أنه مستمتع . تحدثنا عن الكتب وعن السياسة وألاعيبها , كما تحدثنا عن الموسيقى والرسم وفن العمارة الحديثة .
لم نتحدث مطلقاً عن لايمستوك أو الرسائل المجهولة , أو انتحار السيدة سيمنجتون .
وأحسب أن أوين جريفيث كان سعيداً بحديثنا ؛ فقد أشرق وجهه الأسود الحزين , وكشف عن عقلية المشوقة .
عندما غادر قلت لجوانا : " إنه رجل طيب ولا يستحق منك التلاعب . "
قالت جوانا : " هذا ما تقوله أنت ! فأنتم معشر الرجال تشدون أزر بعضكم البعض ! "
" لماذا تحاولين الإيقاع به يا جوانا ؟ أهو كبرياؤك المجروح ؟ "
قالت أختي : " ربما . "
4
كان من المقرر اليوم أن نذهب عصر اليوم لتناول الشاي مع إيميلي بارتون في غرفتها التي تقيم بها في القرية . ذهبنا سيراً على الأقدام , وذلك لأنني شعرت بالقوة الكافية لصعود التل في طريق عودتنا .
ولابد أننا أخطأنا في تقدير الوقت اللازم لقطع الطريق فوصلنا مبكراً , وقد فتحت لنا الباب امرأة طويلة قاسية الملامح وأخبرتنا أن الآنسة إيميلي بارتون لم تعد بعد .
" ولكني أعرف أنها تنتظركما , لذا تفضلا بالدخول وانتظراها من فضلكما . "
كان من الواضح أن هذه المرأة هي المخلصة فلورنسا .
تبعناها صاعدين الدرج حتى فتحت لنا باباً وأدخلتنا في غرفة جلوس مريحة جداً , وإن بدت مكتظة بالأثاث إلى حد ما . وشككت أن بعض هذا الأثاث أتى من ليتل فيرز .
كان من الواضح أن المرأة فخورة بحجرتها . فقالت : " إنها غرفة جميلة , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا بحماس : " جميلة جداً . "
" أعمل على راحتها قدر الإمكان , وإن كنت لا أست\يع خدمتها كما ينبغي . فقد كان ينبغي أن تكون في منزلها , فهذا ما يليق بها , لا أن تعيش في حجرتين . "
كانت فلورنسا تنظر إلي أنا وجوانا نظرة تنم عن التوبيخ . فشعرت أن هذا ليس يوم حظنا , فقد تعرضت جوانا للتقريع على يد كل من إيمي جريفيث وبارتريدج , وها نحن نتعرض للتقريع من فلورنسا سليطة اللسان .
أضافت قائلة : " لقد عملت هناك مديرة للمنزل لمدة خمسة عشر عاماً . "
قالت جوانا وهي تشعر بالقهر : " حسناً , لقد ارتضت الآنسة بارتون ترك المنزل , وتركته تحت تصرف وكلاء العقار . "
قالت فلورنسا : " لقد أجبِرَت على ذلك , وهي تعيش حياة مقتصدة وحريصة , ومع ذلك لم تتركها الحكومة وشأنها ! فكان عليها أن تدفع الكثير من الضرائب . "
هززت أسي بحزن .
قالت فلورنسا : " لقد كان هناك الكثير من الأموال في أيام السيدة العجوز , ثم مات الجميع واحدة بعد الأخرى , آه يا عزيزاتي المساكين . وقد كانت الآنسة إيميلي تمرضهن واحدة بعد الأخرى . وقد أفنت زهرة شبابها وهي صابرة دون أن تتذمر أو تشكو . ولكن ذلك أثر عليها , ولم يقتصر الأمر على هذا وحسب , بل كان ينقصها القلاقل والأزمات المالية أيضاً لتضاعف أحزانها ! فلم تعد الأسهم تدر عليها عوائد كالعادة , ولكن لماذا لم تعد تدر عوائد ؟ أريد أن أعرف . كان عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وهم يخدعون سيدة مثلها لم يعد ذهنها قادراً على التعامل مع الأرقام ولا تستطيع مسايرة حيلهم . "
قلت : " ولكن الجميع تعرضوا لهذه المشاكل . " , ولكت فلورنسا لم تلن أو تهدأ .
" لا بأس بذلك لمن لديهم القدرة على الاعتناء بأنفسهم , أما بالنسبة لها هي فالأمرمختلف . إنها تحتاج إلى رعاية , وما دامت معي ففلن أسمح لأحد بأن يقتلها أو يضايقها بأي كل من الأشكال . إنني مستعدة لفعل أي شيء من أجل الآنسة إيميلي . "
وحدقت إلينا لبضع لحظات حتى تتأكد من أننا فهمنا المقصود من هذه العبارة , ثم تركتنا فلورنسا القاسية وأغلقت الباب وراءها بحرص .
تساءلت جوانا : " ألا تشعر بأنك مصاص دماء يا جيري ؟ لأن هذا ما أشعر به . ما هذا الذي يحدث لنا ؟ "
قلت : " يبدو أننا لا نحظى بالقبول , فقد ملّت منا ميجان , ووبختك بارتريدج , وهاهي المخلصة فلورنسا توبخنا نحن الاثنان . "
تمتمت جوانا : " إنني أتساءل , لماذا غادرتنا ميجان ؟ "
" لابد أنها شعرت بالملل في صحبتنا . "
" لا أعتقد ذلك على الإطلاق . هل تعتقد أن إيمي جريفيث أخبرتها بشيء كان السبب في رحيلها ؟"
" تقصدين هذا الصباح , عندما كانتا تتحدثان عند عتبة الباب ؟ "
" نعم , لم تبقيا معاً لفترة طويلة , بالطبع , ولكن ـــ "
قاطعتها مكملاً جملتها : " ولكن وطأة تلك المرأة قوية ربما ـــ "
فُتح الباب ودخلت الآنسة إيميلي بارتون . كان وجهها محمراً بعض الشيء , وبدت مرهقة ومتقطعة الأنفاس لحد ما . كانت عيناها الزرقاوان تلمعان .
حيتنا بطريقة توحي بشرودها الذهني .
" أوه , يا أعزائي , آسفة لتأخيري . فقد كنت أقوم بجولة تسوقية في البلدة , ولم يرق لي الكعك في مخبز البلو روز , حيث بدا أنه غير طازج , لذا ذهبت إلى مخبز السيدة ليجون . إنني أحب دئماً شراء الكعك في نهاية جولتي التسوقية حتى أحصل عليه طازجاً بعد خروجه من الفرن مباشرة , بدلاً من شراء كعك اليوم السابق . ولكنني مستاءة من ترككما تنتظران ـ إن هذا الأمر لا يغتفر حقاً ـ "
قاطعتها جوانا قائلة : " إنه خطأنا نحن يا سيدة بارتون . فقد جئنا سيراً على الأقدام وأصبح جيري يقفز بسرعة الآن , لذا وصلنا قبل موعدنا . "
" كلا , لا تقولي هذا يا عزيزتي , فالمرء لا يمل أبداً من الصحبة الجميلة . "
ربتت السيدة العجوز على كتف جوانا بحنان .
تهللت أسارير جوانا ؛ فأخيراً بدا أنها أحرزت نجاحاً . ثم شملتني إيميلي بارتون بابتسامتها , ولكن بمسحة من التحفظ , تماماً كما يقترب المرء من نمر ضمن للحظة أنه لن يؤذيه .
" كم هو لطيف منك يا سيد بيرتون أن تحضر مناسبة نسائية مثل تناول الشاي . "
أعتقد أن إيميلي بارتون لديها صورة ذهنية عن الرجال تظهرهم كأناس يتناولون الكحوليات ويدخنون السجائر , وفي أوقات الاستراحة يخرجون لإغواء فتيات القرية وتكوين علاقات غرامية مع النساء المتزوجات .
عندما قلت ذلك لجوانا لاحقاً , ردت بأن إيميلي بارتون ربما كانت تفكر باللاوعي أن يقابلها رجل من هذه النوعية , ولكن ـ من أسفها ـ لم يحدث ذلك أبداً .
في هذه الأثناء كانت الآنسة إيميلي بارتون تضع أمامي أنا وجوانا مناضد صغيرة , وتضع عليها بعضاً من منافض السجائر بحذر , وبعد دقيقة فُتح الباب ودلفت فلورنسا حاملة صينية شاي عليها أكواب فاخرة خمنت أن إيميلي بارتون قد أحضرتها معها . كان الشاي صينياً ولذيذاً وكانت هناك شطائر رقيقة من الخبز والزبدة وبعض الكعك .
كانت فلورنسا متهللة الأسارير الآن , ونظرت إلى إيميلي كما تنظر الأم إلى طفلها الحبيب وهو يستمتع بدُمى حفلة الشاي .
أكلت أنا وجوانا أكثر مما كنا نريد , حيث كانت مضيفتنا تظغط علينا بإلحاح لتناول المزيد . كان من الواضح أن السيدة الصغيرة مستمتعة بحفلة الشاي التي أعدتها , وأدركت أنني وجوانا نُعتبر بالنسبة لإيميلي بارتون مغامرة كبرى , شخصين من عالم لندن الغامض والمعقد .
وبالطبع تطرق حديثنا إلى الأوضاع المحلية . تحدثت الآنسة بيرتون عن الطبيب جريفيث بحماس وعن شخصيته اللطيفة وعن مهاراتهكبيب . وكذلك السيد سيمنجتون , إنه محام بارع جداً وساعد السيدة بيرتون على استرداد بعض المال من ضرائب الدخل التي لولاه ما كانت لتعرف عنها شيئاً . كما أنه لطيف جداً مع أطفاله ويكرس نفسه لهم ولزوجته ـ قاطعت نفسها قائلة : " إنها مسكينة السيدة سيمنجتون , إنه لأم فظيع أن يُترك هؤلاء الأطفال أيتام الأم . ربما لم تكن أماً قوية قط ـ كما أن صحتها كانت معتلة مؤخراً . لابد أنها كانت نوبة عصبية . لقد قرأت عن مثل هذه الأشياء في الجرائد , حيث لا يشعر المرء بما يصدر منه من أفعال في مثل هذه الظروف . ولابد أنها لم تكن تعرف ما تفعل وإلا لتذكرت السيد سيمنجتون وأطفالها . "
قالت جوانا : " لابد أن تلك الرسالة المجهولة قد صدمتها صدمة عنيفة . "
احمر وجه السيدة بارتون , وقالت بنبرة من التوبيخ في صوتها : " أعتقد أنه لا يجدر بنا الخوض في هذا الموضوع غير اللطيف , أليس كذلك ؟ أعرف أن هناك رسائل , ولكننا لن نتحدث عنها , فهي أشياء مثيرة للاشمئزاز . لذا أعتقد أنه من الأفضل تجاهلها . "
حسناً , ربما كانت السيدة إيميلي بارتون قادرة على تجاهلها , ولكن بالنسبة لمعظم الناس لم يكن هذا بالأمر السهل . ومع ذلك فقد غيرت مجرى الحديث وتحدثنا عن إيمي جريفيث .
قالت إيميلي بارتون : " يا لها من فتاة رائعة , رائعة جداً . إن حيويتها وقدرتها التنظيمية كبيرة حقاً . كما أنها لطيفة مع الفتيات أيضاً , وهي عملية للغاية وعصرية في جميع المجالات . إنها تدير هذا المكان حقاً , بالإضافة إلى تكريسها حياتها لأخيها . إنه لأمر رائع أن ترى هذا الإخلاص بين أخ وأخته . "
سألت جوانا : " ألا يشعر بأنها تتحكم في حياته إلى حد ما ؟ "
حدقت إليها إيميلي بارتون بشيء من الفزع . وقالت لها بنبرة تنم عن التوبيخ : " لقد ضحت بالكثير من أجله . "
رأيت عيني جوانا تشيران بعلامات السخرية . فسارعت بتغيير دفة الحديث إلى السيد باي .
كانت إيميلي بارتون مرتبكة بعض الشيء عندما تحدثنا عن السيد باي .
فكل ما قالته عنه , وكررته بنبرة تشكك , أنه لطيف جداً ـ نعم لطيف جداً , وأنه طيب وكريم أيضاً . وأنه أحياناً يأتيه زوار غرباء جداً , ولكن هذا طبيعياً لأنه كان يسافر كثيراً .
اتفقنا معها على أن السفر لا يعمل على توسيع أفق المرء فحسب , بل إنه أيضاً يؤدي إلى تكوين معارف غريبة .
قالت إيميلي بارتون بحزن : " لكم تمنيت الخروج في رحلة بحرية . فأنا أقرأ الكثير عن هذه الرحلات في الصحف وهي تبدو جذابة . "
سألتها جوانا : " لِم لا تخرجين في رحلة كهذه ؟ "
يبدو أن محاولة تحويل هذا الحلم إلى حقيقة قد دق جرس الإنذار عند إيميلي بارتون , فقالت : " أوه , لا , لا , هذا مستحيل . "
" ولكن لماذا ؟ إنها رخيصة جداً . "
" أوه , ليست التكلفة وحسب هي السبب , ولكنني لا أحب السفر وحدي , فهذا يبدو لي وضعاً شاذاً جداً , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا : " كلا . "
نظرت إليها الآنسة إيميلي بتشكك .
" ولا أعرف كيف أتعامل مع أمتعتي ـ والوقوف على أرصفة الموانئ الأجنبية ـ وكل تلك العملات المختلفة ـ "
بدا لي أن عدداً من القبعات لا يحصى قد ظهرت أمام السيدة الصغيرة الخائفة , فأسرعت جوانا بتهدئتها عن طريق سؤالها عن مهرجان الحدائق ومعرض المشغولات اليدوية . وقد قادنا هذا تلقائياً إلى السيدة دين كالثروب .
بدت مسحة خفيفة من التشنج على وجه السيدة إيميلي بارتون .
قالت : " إنها امرأة غريبة حقاً يا عزيزتي , وخاصة تلك الأشياء التي تقولها أحياناً . "
سألتها عن هذه الأشياء .
" أوه , لا أعرف بالضبط , إنها أشياء غير متوقعة تماماً . والطريقة التي تنظر إليك بها , كما لو كنت ليس موجوداً هناك بل شخصاً آخر ـ إنني أعبر عن ذلك بطريقة سيئة ولكن من الصعب توصيل الانطباع الذي أقصده . ثم إنها لن , حسناً , لن تتدخل أبداً . فهناك الكثير من القضايا التي تستطيع زوجة رجل الدين تقديم النصح بشأنها . ويمكنهم تقويم الناس وجعلهم يصلحون حياتهم . ولأن الناس يصغون إليها , فأنا متأكدة من أنهم سيهابونها . ولكنها تصر على الانعزال والابتعاد , ولديها تلك العادة الغريبة بالشعور بالأسف على أناس لا يستحقون أي أسف على الإطلاق . "
تبادلت نظرة سريعة مع جوانا , قائلاً : " هذا مثير حقاً . "
" ومع ذلك فهي امرأة كريمة النسب , فهي سليلة أسرة فارواي من بيلباث , وهي أسرة عريقة ولكن تلك الأسر العريقة تكون غريبة الأطوار أحياناً , ولكنها تكرس حياتها لزوجها , ذلك الرجل الحاد الذكاء ـ والذي أخشى أنه ضيع هذا الذكاء في تلك البلدة . إنه رجل طيب ونقي , ولكني دائماً أجد عباراته اللاتينية مربكة . "
قلت بحماس موجهاً كلامي لجوانا : " اسمعي , اسمعي . "
قالت جوانا : " لقد تلقى جيري تعليمه في مدرسة عامة مرتفعة التكاليف , لذا فإنه لا يفهم اللاتينية . "
وقد جعل هذا إيميلي بارتون تتطرق إلى موضوع جديد . قالت : " إن مديرة المدرسة هنا شابة كريهة جداً . أخشى أنها شيوعية حتى النخاع . " , وقد أخفضت صوتها عند نطق كلمة " شيوعية " . وأثناء صعودنا التل في طريق عودتنا , قالت لي جوانا : " إنها امرأة لطيفة . "
5
على العشاء في تلك الليلة , قالت جوانا لبارتريدج إنها تتمنى أن تكون حفلة الشاي التي أ4قامتها قد نجحت .
احمر وجه بارتريدج وزادت صلابتها .
" شكراً لك يا سيدتي , ولكن آجنس وودل لن تحضر على أية حال . "
" أوه , آسفة . "
قالت بارتريدج : " إن الأمر لم يكن يهمني من الأساس . "
كانت مستاءة إلى الحد الذي جعلها تتنازل وتفضي لنا بضيقها .
" لم أكن أنا التي فكرت في طلبها ! بل هي التي اتصلت وقالت أن هناك شيئاً يقلقها , وطلبت المجيء إلى هنا , على أساس أنه يوم إجازتها . وقلت لها أنني لا أوافق إذا سمحت أنت بذلك , وقد سمحت لي . وبعد ذلك لم أسمع أو أرى منها شيئاً ! ولم تكلف نفسها وتعتذر عن عدم المجيء , وإن كنت أتمنى أن أتلقى منها رسالة اعتذار صباح الغد . إن هؤلاء الفتيات لا يعرفن حدودهن وليست لديهن فكرة عن السلوكيات اللائقة . "
حاولت جوانا تضميد مشاعر بارتريدج الجريحة .
" ربما داهمتها بعض النتاعب الصحية , ألم تتصلي بها لتستكشفي الأمر ؟ "
انتصبت بارتريدج مرة أخرى .
" كلا , لم أفعل يا سيدتي . إن كانت آجنس تحب التصرف بوقاحة فهذا من شأنها , ولكنني سأوبخها عندما نتقابل . "
خرجت بارتريدج من الغرفة وهي لا تزال متصلبة الملامح وضحكنا أنا وجوانا .
قلت : " ربما كانت إحدى حالات " عمود نصائح العمة نانسي ( إن مشاعر خطيبي باردة جداً تجاهي , ما الذي ينبغي علي فعله حيال هذا الأمر ؟ ) ومع فشل العمة نانسي , كان عليها اللجوء إلى بارتريدج لطلب النصيحة , بيْد أنه تم حل المشكلة وأتوقع في هذه اللحظة أن آجنس وخطيبها يتنزهان معاً وهم في غاية السعادة . "
ضحكت جوانا وقالت إنها توقعت الأمر نفسه .
بدأنا نتحدث عن الرسائل المجهولة وتساءلنا عما يمكن أن يكون قد توصل إليه ناش وجريفز الكئيب : " لقد مضى أسبوع بالتمام منذ أن انتحرت السيدة سيمنجتون . ولابد أنهم قد توصلا إلى شيء ما الآن . بصمات الأصابع أو خط اليد أو شيء ما . "
أجبتها وأنا شارد الذهن , ففي عقلي الباطن كان هناك شيء لا يريحني وآخذ في التنامي , وكان يرتبط على نحو ما بعبارة " أسبوع التمام " التي استخدمتها جوانا .
أجرؤ على القول أنه كان يتوجب علي التوصل إلى هذه الحقيقة مسبقاً .فربما كان عقلي متشككاً بالفعل .
على أية حال فإن الخميرة تعمل الآن , والقلق آخذ في التزايد , حتى بلغ مبلغه .
لاحظت جوانا فجأة أنني لم أكن أنصت إليها .
" ما الخطب يا جيري ؟ "
لم أرد عليها لأن ذهني كان مشغولاً بترتيب الأشياء . انتحار السيدة سيمنجتون ... وجودها بمفردها عصر ذلك اليوم ... بمفردها في المنزل , وذلك لأن الخادمات كن في يوم إجازتهن .. منذ أسبوع بالتمام .
" جيري , ماذا ـ "
قاطعتها : " جوانا , إن الخادمات يأخذن عطلات مرة واحدة في الأسبوع , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا : " نعم ويتناوبن أيام الأحد , ما الذي ــ "
" لا عليك بأيام الأحد , هل يخرجن في نفس اليوم طوال الأسبوع ؟ "
" نعم , هذا هو المعتاد . "
كانت جوانا تتحدث إلي بفضول , فلم يلتقط عقلها الخيط الذي التقطته أنا .
وقفت وقمت بدق الجرس , فجاءت بارتريدج .
قلت : " أخبريني عن آجنس وودل هذه , هل تعمل خادمة ؟ "
" نعم يا سيدي , في بيت السيدة سيمنجتون , أو حرى بي الآن أن أقول بيت السيد سيمنجتون . "
أخذت نفساً عميقاً ونظرت إلى الساعة . فوجدتها تشير إل العاشرة والنصف .
" هل تعتقدين أنها عادت إلى المنزل الآن ؟ "
كانت بارتريدج تنظر إلى باستهجان .
" أجل سيدي , إن الخادمات يجب أن يكنَّ هناك قبل العاشرة . إنهن يتبعن التقاليد القديمة . "
قلت : " سوف أجري مكالمة هاتفية . "
خرجت إلى الردهة وتبعتني جوانا وبارتريدج . كانت بارتريدج مغتاظة جداً , بينما كانت جوانا متحيرة , فقالت بينما كنت أطلب الرقم : " ماذا تفعل يا جيري ؟ "
" أود التأكد من الفتاة قد عادت بسلام . "
تنهدت بارتريدج , مجرد تنهيدة لا أكثر . ولكنني لا أبالي إطلاقاً بتنهيدت بارتريدج .
ردت إلسي هولاند على الهاتف .
قلت : " آسف على الاتصال . معك جيري بيرتون . هل ـ أجاءت ـ خادمتكم آجنس إلى البيت ؟ " لم أشعر بالحماقة إلا بعدما قلت ما قلت . لأنه إذا ما كانت الفتاة في البيت ولم يمسها سوء , فكيف سأبرر اتصالي وسؤالي عنها .
كان من الأفضل أن أدع جوانا تطرح هذا السؤال , وإن كان هذا أيضاً يحتاج لمبرر . لقد تنبأت بموجة جديدة من النميمة في لايمستوك تدور حولي أنا وآجنس وودل المجهولة .
بدت إلسي هولاند مندهشة .
" آجنس ! أوه بالتأكيد غنها هنا الآن . "
شعرت بالحماقة و ولكنني واصلت : " هلا تأكدت من وجودها يا آنسة هولاند ؟ "
هناك شيء لابد من قوله عن كياسة المربيات , إنهن معتادات على فعل ما يؤمن به دون أن يسألن عن السبب ! وضعت إلسي السماعة وذهبت طائعة .
بعد دقيقتين سمعت صوتها .
" هل لا تزال على الخط يا سيد بيرتون ؟ "
" نعم . "
" لم تصل آجنس بعد , وقد تأكدت من ذلك . "
عرفت عندئذٍ أن حدسي كان في محله . سمعت ضوضاء على الطرف الآخر من الخط , ثم تحدث إلي السيد سيمنجتون نفسه : " مرحباً سيد بيرتون و ما الخطب ؟ "
" لم ترجع خادمتك آجنس بعد ؟ "
" كلا , لقد تأكدت الآنسة هولاند تواً من ذلك . ما الخطب ؟ لم يقع لها حادث , أليس كذلك ؟ "
" لا , ليس حادثاً . "
" أتعني بأن لديك سبباً للاعتقاد بأن ثمة شيئاً قد حدث للفتاة ؟ "
قلت متجهماً : " لن أندهش إن حدث لها شيء . "
يتبع ...












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-19-2011   #29

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

19/1/2011, 11.40مساء"

الفصل الثامن
1
لم أهنأ بالنوم تلك الليلة . فقد كانت أجزاء اللغز تسبح أمام ذهني . وأعتقد أنني لو فكرت فيها بإمعان , لكن قد توصلت إلى حل اللغز بأكمله عندئذٍ وأنا مستلقي على فراش , وإلا فلماذا تلح هذه الأجزاء على مخيلتي بهذا الشكل ؟
ما مقدار ما نعرفه في أي وقت ؟ أعتقد أننا نعرف أكثر مما ندرك معرفتنا به ! ولكننا لا نستطيع النفاذ إلى تلك المعرفة الخفية . إنها هناك , ولكننا لا نستطيع الوصول إليها .
استلقيت على سريري وأخذت أتقلب متململاً , ولم يطرأ على ذهني سوى أجزاء غامضة من اللغز , الأمر الذي عذبني طوال الليل .
كان هناك نمط منتظم في إرسال هذه الخطابات , فقط لو استطعت لإمساك بهذا الخيط . كان يجب أن أعرف كاتب هذه الرسائل اللعينة : هناك في مكان ما , فقط لو استطعت تتبعه ...
حينما أغمضت عيني لأنام , تراقصت الكلمات أمام ذهني المشوش دونما ترتيب .
" لا دخان بلا نار . " لا دخان بدون نار . دخان .... دخان ؟ الساتر الدخاني .... لا , كان ذلك في الحرب ـ عبارة حربية. حرب ... قصاصة ورق ... مجرد قصاصة ورق . بلجيكا ـ ألمانيا.
رحت في نوم عميق , وحلمت بأنني آخذ السيدة دين كالثروب , للتنزه بعد أن تحولت إلى كلب صيد في عنقه طوق أمسكه بحبل .
2
استيقظت فجأة على رنين هاتف , رنين متصل ملح . جلست في الفراش ونظرت إلى ساعتي . كانت الساعة السابعة والنصف . لم ينادني أحد . كان الهاتف يدق في الطابق الأسفل في الردهة .
قفزت من على الفراش , وارتديت ملابس النوم , وهرعت للأسفل . سبقت بارتريدج التي كانت قادمة عبر الباب الخلفي للمطبخ . رفعت السماعة .
" مرحباً . "
" أوه ـ كا بالصوت نبرة استغاثة ـ أهذا أنت ؟ "
إنه صوت ميجان . بدا صوتها مذعوراً ؟ " أوه , من فضلك تعال ـ تعال . أوه أرجوك تعال . هل ستأتي ؟ "
" سآتي فوراً . هل تسمعيني ؟ فوراً ؟ "
صعدت السلم درجتين درجتين وهرعت إلى جوانا .
" جوانا , إنني ذاهب إلى منزل سيمنجتون . "
رفعت جوانا شعرها الأشقر من على الوسادة وفركت عينيها كطفلة صغيرة .
" لماذا ـ ماذا حدث ؟ :"
" لا أعرف , إنها تلك الطفلة ــ ميجان . لقد بدت مذعورة ! "
" ما الذي حدث في اعتقادك ؟ "
" إنها الفتاة آجنس , إن لم أكن مخطئاً . "
" انتظر , سوف آتي معك لأوصلك بالسيارة . "
" لا داعي لذلك , سأقودها بنفسي . "
" إنك لا تستطيع قيادة السيارة . "
" بل , أستطيع . "
وقد قدتها فعلاً . وقد آلمتني ساقي ولكن ليس كثيراً . اغتسلت وحلقت ذهني وارتديت ملابسي , وأخرجت السيارة وقدتها متوجهاً إلى بيت سيمنجتون حتى وصلت هناك خلال نصف ساعة من تلقي مكالمة ميجان الهاتفية . وهذه فترة لا بأس بها .
لابد أن ميجان كانت ترقب وصولي , فقد خرجت من المنزل بسرعة واحتضنتني . كان وجهها الصغير ممتقعاً ومرتعشاً .
" أوه , ها قد أتيت ـ ها قد أتيت . "
قلت : " تماسكي يا عزيزتي , نعم لقد أتيت , والآن ما الأمر ؟ "
بدأت ترتجف , فوضعت ذراعي حولها .
" لقد ـ لقد وجدتها . "
" وجدت آجني ؟ أين ؟ "
زادت حدة الارتعاش .
" أسفل الدرج , هناك خزانة تحته , بها طعم الصيد وأدوات الجولف وأشياء أخرى كما تعرف . "
أومأت , إنها تلك الخزانات المعتادة .
" كانت هناك , ملقاة و ... وباردة ـ باردة جداً . لقد كانت ـ كانت ميتة . يا له من أمر فضيع ! "
سألتها بفضول : " ما الذي جعلك تنظرين هناك ؟ "
" لا ـ لا أعرف , بعدما اتصلت بنا ليلة الأمس , بدأنا نتساءل عن مكان آجنس . وقد انتظرنا لبعض الوقت , ولكنها لم تأت . وأخيراً ذهبنا إلى لننام . لم أنم جيداً واستيقظت مبكراً ولم يكن هناك سوى روز ( الطاهية , كما تعرف ) . كانت غاضبة جداً لعدم عودة آجنس . وقالت إنها كانت من قبل في أحد البيوت عندما هربت فتاة بمثل هذه الطريقة . ثم تناولت بعض الخبز واللبن والجبن في المطبخ , وفجأة دخلت علي روز وهي تبدو غريبة , وقالت إن ملابس الخروج الخاصة بآجنس لا تزال في حجرتها . لقد كانت أفضل ملابسها التي ترتديها عند الخروج . فبدأت أتساءل ما إذا كانت قد تركت المنزل من الأساس , وبدأت البحث عنها ثم فتحت الخزانة الواقعة تحت السلم . و ــ ووجدتها هناك . "
" هل اتصل أحدكم بالشرطة ؟ "
نعم , إنهم هناك الآن . لقد اتصل زوج أمي على الفور . وعندئذٍ شعرت ـ شعرت بأنني لا أستطيع تحمل الموقف فاتصلت بك . هل لديك مانع ؟ "
قلت : " كلا , لا مانع لدي على الإطلاق . "
نظرت إليها بفضول .
" هل أعطاك أحدهم شاياً أو عصيراً أو قهوة بعدما ـ بعدما وجدتها ؟ "
هزت ميجان رأسها بالنفي .
صببت اللعنات على كل أهل بيت سيمنجتون . ذلك المغرور لم يفكر سوى بالإتصال بالشرطة . ويبدو أنه لا إلسي هولاند ولا الطاهية فكرتا بتأثير ما حدث على تلك الطفلة الصغيرة الحساسة التي اكتشفت أمر الجثة . "
قلت : " تعالي يا عزيزتي , سوف نذهب إلى المطبخ . "
درنا حول البيت ودخلنا إلى المطبخ من الباب الخلفي . كانت روز ـ تلك المرأة البدينة ذات الوجه المنتفخ بجوار المدفأة . حيتنا بسيل دافق من الكلام ويدها على قلبها .
قالت لي أنها قد فزعت وأصيبت بصدمة عنيفة عند اكتشافها هذا الأمر الرهيب ! فقط فكر في الأمر , كان يمكن أن تكون هي , كان يمكن أن يكون أي واحد منهم , مقتولاً على الفراش .
قلت : " صبي قدحاً من الشاي للآنسة ميجان , فهي من تلقت الصدمة كما تعرفين . تذكري أنها من اكتشفت أمر الجثة . "
مجرد ذكر الجثة أصيبت روز بالفزع مرة أخرى , ولكنني رمقتها بنظرة حادة فصبت كوياً من الشاي الثقيل .
قلت لميجان:" اشربي هذا يا فتاتي العزيزة.أعتقد أنك لم تشربي أي عصير , أليس كذلك يا روز؟ "
قالت روز بتشكك إن هناك بعض عصير البرتقال منذ البارحة .
قلت : " هذا يفي بالغرض . " ثم صبت كوباً من العصير لميجان . رأيت في عيني روز استحسان تلك الفكرة .
قلت : " هل أستطيع الاعتماد عليك للاعتناء بالآنسة ميجان ؟ " ردت روز بطريقة مطمئنة : " أوه, نعم سيدي . "
ودلفت إلى الغرفة . ومن خلال معرفتي بنوعية الشخصيات المشابهة لشخصية روز كنت متأكداً من أنها ستجد أنها عليها أن تتناول القليل من الطعام لكي تحافظ على قواها , وهذا أمر جيد بالنسبة لميجان أيضاً . يا لهؤلاء الجاحدين , لماذا لا يعتمون بتلك الطفلة ؟
وتوجهت إلى إلسي هولاند بالردهة وأنا أكاد أنفجر من شدة الغيظ والغضب . لم تبد عليها المفاجأة لرؤيتي . أعتقد أن الإثارة الشديدة الناتجة عن اكتشاف أمر الجثة , جعلت أهل المنزل لا يبالون بمن يأتي ويذهب . كان المفتش , بيرت روندل , يقف عند الباب الأمامي . تنهدت إلسي هولاند قائلة : " أوه , سيد بيرتون و أليس هذا رهيباً ؟ من ذا الذي يستطيع ارتكاب هذا الشيء الفظيع ؟ "
" هي جريمة قتل إذن ؟ "
" أوه , نعم , لقد ضربها أحدهم على مؤخرة رأسها . إنها مغطاة بالدم والشعر ـ أوه ياله من أمر رهيب ـ وتم حشرها داخل تلك الخزانة . من ذا الذييستطيع الإقدام على فعل هذا الأمر الشرير ؟ ولماذا ؟ مسكينة آجنس , أنا متأكدة أنها لم تؤذ أحداً . "
قلت : " كلا , لابد أن أحدهم رأى أن التخلص منها أمراً ضرورياً . "
حدقت إلي , أدركت أنها ليست ذكية ولكنها قوية الأعصاب . كان مزاجها عادياً ولكنها كانت تشعر ببعض الاهتمام والإثارة , حتى أنه قد هيئ لي أنها تستمتع بهذه الأحداث الدرامية بطريقة ما , على الرغم من رقة قلبها .
قالت معتذرة : " علي أن أذهب لأعتني بالأطفال , فالسيد سيمنجتون حريص جداً على عدم إصابتهم بالصدمة . إنه يريدني أن ~أبقيهم بعيداً . "
قلت : " لقد سمعت أن ميجان هي من اكتشف أمر الجثة , هل اعتنى أحد بها ؟ "
للحق بدت إلسي هولاند متألمة الضمير .
قالت : " أوه , يا عزيزتي , لقد نسيتها تماماً . أتمنى أن تكون بخير . لقد كنت مرتبكة , كما تعرف , بالإضافة إلى وجود الشرطة وما إلى ذلك ـ ولكن كان هذا خطأ مني . يا للفتاة المسكينة , لابد أنها منهارة الآن . سوف أذهب وألقي نظرة عليها . "
شعرت ببعض الارتياح , وقلت : " إنها بخير , وروز تعتني بها . يمكن أن تذهبي إلى الأطفال . "
شكرتني , فابتسمت وكشفت عن صف من الأسنان البيضاء , وهرعت صاعدة الدرج .
فعلى كل حال , فإن مهمتها رعاية الطفلين , وليست ميجان ـ ميجان ليست مهمة أحد . لقد عينت إلسي للاعتناء بأبناء سيمنجتون , ومن ثم لا يستطيع المرء لومها على ذلك .
بينما كانت عند منحنى الدرج , حبست أنفاسي . حيث لمحت في عينيها بريق الانتصار , فبدت أقرب إلى امرأة قوية وجميلة منها إلى مربية حية الضمير .
عندئذ فتح الباب ودخل المفتش ناش إلى الردهة والسيد سيمنجتون خلفه .
قال : " أوه , سيد بيرتون , كنت على وشك الاتصال بك . إنني سعيد لرؤيتك . "
لم يسألني عن سبب مجيئي الآن .
" سأستخدم هذه الحجرة إذا سمحت . "
كانت حجرة صغيرة بها نافذة تطل على الجانب الأمامي من المنزل .
" بالطبع يمكنك ذلك سيدي . "
كان سيمنجتون رابط الجأش , ولكن بدا عليه الإرهاق الشديد .
قال المفتش ناش بلطف : " لو كنت مكانك لتناولت بعض الطعام يا سيد سيمنجتون . فسوف تشعر أنت والسيدة هولاند وميجان بتحسن كبير إذا تناولتم بعض القهوة والبيض واللحم . فمن الصعب مواجهة جريمة قتل بمعدة خاوية . "
كان يتحدث بطريقة ودية كما لو كان طبيب الأسرة .
ابتسم سيمنجتون ابتسامة واهنة وقال : " شكراً لك أيها المفتش , سوف آخذ بنصيحتك . "
تبعث ناش إلى الحجرة الصغيرة , حيث أغلق الباب , وقال : " لقد جئت إلى هنا بسرعة , كيف عرفت بالخبر ؟ "
أخبرته بأن ميجان حادثتني . وشعرت بالود تجاه ناش , فهو لم ينس أيضاً أن ميجان في حاجة لتناول إفطار .
" سمعت أنك اتصلت ليلة أمس يا سيد بيرتون لتسأل عن الفتاة , فما الأمر ؟ "
أعتقد أن هذا كان غريباً . فأخبرته باتصال آجنس ببارتريدج ثم عدم مجيئها , فقال : " نعم , أفهم ... "
قالها ببطء وتمعن وكان يحك ذقنه ثم تنهد , قائلاً : " حسناً , إنها جريمة قتل الآن وهذا الأمر واضح لنا ؛ اعتداء بدني مباشر . السؤال الذي يطرح نفسه الآن : ما الذي كانت تعرفه هذه الفتاة ؟ هل قالت أي شيئ لبارتريدج ؟ أي شيء محدد ؟ "
" لا أعتقد هذا , ولكن يمكن سؤال بارتريدج عن هذا . "
" نعم , سوف آتي إليكم وأسألها حالما أنتهي من هنا . "
سألته : " ما الذي حدث بالضبط ؟ أم أنك لم تعرف بعد ؟ "
" لقد كان يوم عطلة الخادمتين ـ "
" كلتاهما ؟ "

يتبع.....................











 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
قديم منذ /01-19-2011   #30

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

19/1/2011, 11.40مساء"

الفصل الثامن
1
لم أهنأ بالنوم تلك الليلة . فقد كانت أجزاء اللغز تسبح أمام ذهني . وأعتقد أنني لو فكرت فيها بإمعان , لكن قد توصلت إلى حل اللغز بأكمله عندئذٍ وأنا مستلقي على فراش , وإلا فلماذا تلح هذه الأجزاء على مخيلتي بهذا الشكل ؟
ما مقدار ما نعرفه في أي وقت ؟ أعتقد أننا نعرف أكثر مما ندرك معرفتنا به ! ولكننا لا نستطيع النفاذ إلى تلك المعرفة الخفية . إنها هناك , ولكننا لا نستطيع الوصول إليها .
استلقيت على سريري وأخذت أتقلب متململاً , ولم يطرأ على ذهني سوى أجزاء غامضة من اللغز , الأمر الذي عذبني طوال الليل .
كان هناك نمط منتظم في إرسال هذه الخطابات , فقط لو استطعت لإمساك بهذا الخيط . كان يجب أن أعرف كاتب هذه الرسائل اللعينة : هناك في مكان ما , فقط لو استطعت تتبعه ...
حينما أغمضت عيني لأنام , تراقصت الكلمات أمام ذهني المشوش دونما ترتيب .
" لا دخان بلا نار . " لا دخان بدون نار . دخان .... دخان ؟ الساتر الدخاني .... لا , كان ذلك في الحرب ـ عبارة حربية. حرب ... قصاصة ورق ... مجرد قصاصة ورق . بلجيكا ـ ألمانيا.
رحت في نوم عميق , وحلمت بأنني آخذ السيدة دين كالثروب , للتنزه بعد أن تحولت إلى كلب صيد في عنقه طوق أمسكه بحبل .
2
استيقظت فجأة على رنين هاتف , رنين متصل ملح . جلست في الفراش ونظرت إلى ساعتي . كانت الساعة السابعة والنصف . لم ينادني أحد . كان الهاتف يدق في الطابق الأسفل في الردهة .
قفزت من على الفراش , وارتديت ملابس النوم , وهرعت للأسفل . سبقت بارتريدج التي كانت قادمة عبر الباب الخلفي للمطبخ . رفعت السماعة .
" مرحباً . "
" أوه ـ كا بالصوت نبرة استغاثة ـ أهذا أنت ؟ "
إنه صوت ميجان . بدا صوتها مذعوراً ؟ " أوه , من فضلك تعال ـ تعال . أوه أرجوك تعال . هل ستأتي ؟ "
" سآتي فوراً . هل تسمعيني ؟ فوراً ؟ "
صعدت السلم درجتين درجتين وهرعت إلى جوانا .
" جوانا , إنني ذاهب إلى منزل سيمنجتون . "
رفعت جوانا شعرها الأشقر من على الوسادة وفركت عينيها كطفلة صغيرة .
" لماذا ـ ماذا حدث ؟ :"
" لا أعرف , إنها تلك الطفلة ــ ميجان . لقد بدت مذعورة ! "
" ما الذي حدث في اعتقادك ؟ "
" إنها الفتاة آجنس , إن لم أكن مخطئاً . "
" انتظر , سوف آتي معك لأوصلك بالسيارة . "
" لا داعي لذلك , سأقودها بنفسي . "
" إنك لا تستطيع قيادة السيارة . "
" بل , أستطيع . "
وقد قدتها فعلاً . وقد آلمتني ساقي ولكن ليس كثيراً . اغتسلت وحلقت ذهني وارتديت ملابسي , وأخرجت السيارة وقدتها متوجهاً إلى بيت سيمنجتون حتى وصلت هناك خلال نصف ساعة من تلقي مكالمة ميجان الهاتفية . وهذه فترة لا بأس بها .
لابد أن ميجان كانت ترقب وصولي , فقد خرجت من المنزل بسرعة واحتضنتني . كان وجهها الصغير ممتقعاً ومرتعشاً .
" أوه , ها قد أتيت ـ ها قد أتيت . "
قلت : " تماسكي يا عزيزتي , نعم لقد أتيت , والآن ما الأمر ؟ "
بدأت ترتجف , فوضعت ذراعي حولها .
" لقد ـ لقد وجدتها . "
" وجدت آجني ؟ أين ؟ "
زادت حدة الارتعاش .
" أسفل الدرج , هناك خزانة تحته , بها طعم الصيد وأدوات الجولف وأشياء أخرى كما تعرف . "
أومأت , إنها تلك الخزانات المعتادة .
" كانت هناك , ملقاة و ... وباردة ـ باردة جداً . لقد كانت ـ كانت ميتة . يا له من أمر فضيع ! "
سألتها بفضول : " ما الذي جعلك تنظرين هناك ؟ "
" لا ـ لا أعرف , بعدما اتصلت بنا ليلة الأمس , بدأنا نتساءل عن مكان آجنس . وقد انتظرنا لبعض الوقت , ولكنها لم تأت . وأخيراً ذهبنا إلى لننام . لم أنم جيداً واستيقظت مبكراً ولم يكن هناك سوى روز ( الطاهية , كما تعرف ) . كانت غاضبة جداً لعدم عودة آجنس . وقالت إنها كانت من قبل في أحد البيوت عندما هربت فتاة بمثل هذه الطريقة . ثم تناولت بعض الخبز واللبن والجبن في المطبخ , وفجأة دخلت علي روز وهي تبدو غريبة , وقالت إن ملابس الخروج الخاصة بآجنس لا تزال في حجرتها . لقد كانت أفضل ملابسها التي ترتديها عند الخروج . فبدأت أتساءل ما إذا كانت قد تركت المنزل من الأساس , وبدأت البحث عنها ثم فتحت الخزانة الواقعة تحت السلم . و ــ ووجدتها هناك . "
" هل اتصل أحدكم بالشرطة ؟ "
نعم , إنهم هناك الآن . لقد اتصل زوج أمي على الفور . وعندئذٍ شعرت ـ شعرت بأنني لا أستطيع تحمل الموقف فاتصلت بك . هل لديك مانع ؟ "
قلت : " كلا , لا مانع لدي على الإطلاق . "
نظرت إليها بفضول .
" هل أعطاك أحدهم شاياً أو عصيراً أو قهوة بعدما ـ بعدما وجدتها ؟ "
هزت ميجان رأسها بالنفي .
صببت اللعنات على كل أهل بيت سيمنجتون . ذلك المغرور لم يفكر سوى بالإتصال بالشرطة . ويبدو أنه لا إلسي هولاند ولا الطاهية فكرتا بتأثير ما حدث على تلك الطفلة الصغيرة الحساسة التي اكتشفت أمر الجثة . "
قلت : " تعالي يا عزيزتي , سوف نذهب إلى المطبخ . "
درنا حول البيت ودخلنا إلى المطبخ من الباب الخلفي . كانت روز ـ تلك المرأة البدينة ذات الوجه المنتفخ بجوار المدفأة . حيتنا بسيل دافق من الكلام ويدها على قلبها .
قالت لي أنها قد فزعت وأصيبت بصدمة عنيفة عند اكتشافها هذا الأمر الرهيب ! فقط فكر في الأمر , كان يمكن أن تكون هي , كان يمكن أن يكون أي واحد منهم , مقتولاً على الفراش .
قلت : " صبي قدحاً من الشاي للآنسة ميجان , فهي من تلقت الصدمة كما تعرفين . تذكري أنها من اكتشفت أمر الجثة . "
مجرد ذكر الجثة أصيبت روز بالفزع مرة أخرى , ولكنني رمقتها بنظرة حادة فصبت كوياً من الشاي الثقيل .
قلت لميجان:" اشربي هذا يا فتاتي العزيزة.أعتقد أنك لم تشربي أي عصير , أليس كذلك يا روز؟ "
قالت روز بتشكك إن هناك بعض عصير البرتقال منذ البارحة .
قلت : " هذا يفي بالغرض . " ثم صبت كوباً من العصير لميجان . رأيت في عيني روز استحسان تلك الفكرة .
قلت : " هل أستطيع الاعتماد عليك للاعتناء بالآنسة ميجان ؟ " ردت روز بطريقة مطمئنة : " أوه, نعم سيدي . "
ودلفت إلى الغرفة . ومن خلال معرفتي بنوعية الشخصيات المشابهة لشخصية روز كنت متأكداً من أنها ستجد أنها عليها أن تتناول القليل من الطعام لكي تحافظ على قواها , وهذا أمر جيد بالنسبة لميجان أيضاً . يا لهؤلاء الجاحدين , لماذا لا يعتمون بتلك الطفلة ؟
وتوجهت إلى إلسي هولاند بالردهة وأنا أكاد أنفجر من شدة الغيظ والغضب . لم تبد عليها المفاجأة لرؤيتي . أعتقد أن الإثارة الشديدة الناتجة عن اكتشاف أمر الجثة , جعلت أهل المنزل لا يبالون بمن يأتي ويذهب . كان المفتش , بيرت روندل , يقف عند الباب الأمامي . تنهدت إلسي هولاند قائلة : " أوه , سيد بيرتون و أليس هذا رهيباً ؟ من ذا الذي يستطيع ارتكاب هذا الشيء الفظيع ؟ "
" هي جريمة قتل إذن ؟ "
" أوه , نعم , لقد ضربها أحدهم على مؤخرة رأسها . إنها مغطاة بالدم والشعر ـ أوه ياله من أمر رهيب ـ وتم حشرها داخل تلك الخزانة . من ذا الذييستطيع الإقدام على فعل هذا الأمر الشرير ؟ ولماذا ؟ مسكينة آجنس , أنا متأكدة أنها لم تؤذ أحداً . "
قلت : " كلا , لابد أن أحدهم رأى أن التخلص منها أمراً ضرورياً . "
حدقت إلي , أدركت أنها ليست ذكية ولكنها قوية الأعصاب . كان مزاجها عادياً ولكنها كانت تشعر ببعض الاهتمام والإثارة , حتى أنه قد هيئ لي أنها تستمتع بهذه الأحداث الدرامية بطريقة ما , على الرغم من رقة قلبها .
قالت معتذرة : " علي أن أذهب لأعتني بالأطفال , فالسيد سيمنجتون حريص جداً على عدم إصابتهم بالصدمة . إنه يريدني أن ~أبقيهم بعيداً . "
قلت : " لقد سمعت أن ميجان هي من اكتشف أمر الجثة , هل اعتنى أحد بها ؟ "
للحق بدت إلسي هولاند متألمة الضمير .
قالت : " أوه , يا عزيزتي , لقد نسيتها تماماً . أتمنى أن تكون بخير . لقد كنت مرتبكة , كما تعرف , بالإضافة إلى وجود الشرطة وما إلى ذلك ـ ولكن كان هذا خطأ مني . يا للفتاة المسكينة , لابد أنها منهارة الآن . سوف أذهب وألقي نظرة عليها . "
شعرت ببعض الارتياح , وقلت : " إنها بخير , وروز تعتني بها . يمكن أن تذهبي إلى الأطفال . "
شكرتني , فابتسمت وكشفت عن صف من الأسنان البيضاء , وهرعت صاعدة الدرج .
فعلى كل حال , فإن مهمتها رعاية الطفلين , وليست ميجان ـ ميجان ليست مهمة أحد . لقد عينت إلسي للاعتناء بأبناء سيمنجتون , ومن ثم لا يستطيع المرء لومها على ذلك .
بينما كانت عند منحنى الدرج , حبست أنفاسي . حيث لمحت في عينيها بريق الانتصار , فبدت أقرب إلى امرأة قوية وجميلة منها إلى مربية حية الضمير .
عندئذ فتح الباب ودخل المفتش ناش إلى الردهة والسيد سيمنجتون خلفه .
قال : " أوه , سيد بيرتون , كنت على وشك الاتصال بك . إنني سعيد لرؤيتك . "
لم يسألني عن سبب مجيئي الآن .
" سأستخدم هذه الحجرة إذا سمحت . "
كانت حجرة صغيرة بها نافذة تطل على الجانب الأمامي من المنزل .
" بالطبع يمكنك ذلك سيدي . "
كان سيمنجتون رابط الجأش , ولكن بدا عليه الإرهاق الشديد .
قال المفتش ناش بلطف : " لو كنت مكانك لتناولت بعض الطعام يا سيد سيمنجتون . فسوف تشعر أنت والسيدة هولاند وميجان بتحسن كبير إذا تناولتم بعض القهوة والبيض واللحم . فمن الصعب مواجهة جريمة قتل بمعدة خاوية . "
كان يتحدث بطريقة ودية كما لو كان طبيب الأسرة .
ابتسم سيمنجتون ابتسامة واهنة وقال : " شكراً لك أيها المفتش , سوف آخذ بنصيحتك . "
تبعث ناش إلى الحجرة الصغيرة , حيث أغلق الباب , وقال : " لقد جئت إلى هنا بسرعة , كيف عرفت بالخبر ؟ "
أخبرته بأن ميجان حادثتني . وشعرت بالود تجاه ناش , فهو لم ينس أيضاً أن ميجان في حاجة لتناول إفطار .
" سمعت أنك اتصلت ليلة أمس يا سيد بيرتون لتسأل عن الفتاة , فما الأمر ؟ "
أعتقد أن هذا كان غريباً . فأخبرته باتصال آجنس ببارتريدج ثم عدم مجيئها , فقال : " نعم , أفهم ... "
قالها ببطء وتمعن وكان يحك ذقنه ثم تنهد , قائلاً : " حسناً , إنها جريمة قتل الآن وهذا الأمر واضح لنا ؛ اعتداء بدني مباشر . السؤال الذي يطرح نفسه الآن : ما الذي كانت تعرفه هذه الفتاة ؟ هل قالت أي شيئ لبارتريدج ؟ أي شيء محدد ؟ "
" لا أعتقد هذا , ولكن يمكن سؤال بارتريدج عن هذا . "
" نعم , سوف آتي إليكم وأسألها حالما أنتهي من هنا . "
سألته : " ما الذي حدث بالضبط ؟ أم أنك لم تعرف بعد ؟ "
" لقد كان يوم عطلة الخادمتين ـ "
" كلتاهما ؟ "

يتبع.....................











 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif

  رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لأجاثا, المتحركة, الأصابع, رواية, كريستي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مكتبة أغاثا كريستي قطرة ندى مكتبة المنتدى ... 0 06-15-2010 11:52 AM
رواية "رمز الذئب منى مكتبة المنتدى ... 1 05-27-2010 12:53 PM
أغاثا كريستي محمد الناصر منتدى الأدب والثقافة العامة 3 04-15-2010 11:23 PM
الحكاية المتحركة تماضر الموح منتدى الأديبة تماضر الموح 2 09-29-2009 10:13 AM
رواية زوربا mfd منتدى الأدب والثقافة العامة 0 05-30-2009 03:31 PM


الساعة الآن 08:03 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir
+:: تصميم وتطوير فريق الزيني 2009 : حمزة الزيني ::+