أن إحدى القضايا الأكثر جوهرية بالنسبة للرقي الإنساني الحقيقي تقوم في كيفية ومستوى تأسيس الرؤية العقلانية عن التسامح، أي منظومة القيم القادرة على بناء التجانس الفعلي في كينونة الفرد والجماعة والأمة والثقافة تجاه النفس والآخرين. وهي مهمة يتوقف تحقيقها على مستوى تأسيس حقيقة التسامح. وبما أن التسامح هو شكل التعايش العقلاني للقيم، من هنا تصبح مهمة تأسيس منظومة القيم وتعايشها الطبيعي الصيغة العلمية الضرورية للتسامح نفسه.
غير أن هذا التأسيس ليس فعلا إراديا محضا، بقدر ما انه يتراكم في مجرى صيرورة القيم بوصفها منظومة. بعبارة أخرى، إن لكل أمة وثقافة ولكل فرد في هذه الامة كما الامة نفسها منظومتها الخاصة عن التسامح. وهو الأمر الذي يجعل من اكثر المنظومات القييمية تسامحا جزء من معاناة الأمم نفسها. ومن ثم لا يمكن لأية منظومة مهما بدت راقية في تأسيسها العقلاني قادرة على أن تكون منظومة كونية. وهو الأمر الذي جعل ويجعل من التسامح قيمة نسبية ومطلقة. بمعنى أهميتها المطلقة للثقافة القومية ونسبيتها بمعايير التجارب العالمية (التاريخية).
فقيمة التسامح تنبع وتتراكم في مجرى تجارب الأمة والثقافة القومية. من هنا نسبيتها بمعايير الرؤية العالمية. وليس شأن نرى في التاريخ القديم والمعاصر تسامحا تجاه النفس والقيم الأخلاقية ومنهجيات العلم والعمل الخاصة، وعداء تجاه الآخرين. وهو واقع يدلل على صعوبة وعدم دقة الحديث عن تسامح مطلق. أما المطلق الوحيد هنا فهو القيمة المجردة للتسامح بوصفه النسبة الضرورية في نظام السمو الإنساني. وهي قيمة اقرب ما تكون إلى فكرة الواجب الأخلاقي .
فالثقافات الكبرى عادة ما تتراكم في صراع حاد وعنيف أحيانا لترتقي إلى إدراك قيمة الخلاف والاختلاف بوصفهما أسلوبا ومنهجا للعلم والعمل. وحالما يتحول الخلاف والاختلاف إلى حق وحرية، يصبح التسامح أسلوبا لترقيتهما في العلم والعمل. وفي هذا تكمن قيمته الفعلية بالنسبة للرقي الإنساني في مختلف نواحي الحياة المادية والروحية. وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت الفلسفة القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية. وهي الحالة التي تبلغها الثقافة المزدهرة عندما ترتقي في مدارج الإدراك الروحي للحقيقة القائلة، بان التسامح في حقيقته هو منظومة التكامل الإنساني في دروب الحرية والنظام.
فعندما ننظر على سبيل المثال إلى العلاقة الشخصية بين الافراد في مجرى تطورها التاريخي وازدهارها، فإننا نرى الانتقال التدرجي والتراكم النوعي في مواقفها من النفس والآخرين. بمعنى انها مرت بدروب المعاناة الفعلية في قبول الخلاف والاختلاف وتحوله إلى "رحمة إلهية". وانتقال ذلك لاقا إحلى مختلف مناهج العلم والعمل بحيث جعلت منهما أسلوبا لترقي المعرفة العقلية والروحية. وارتقت بهذا الصدد للدرجة التي جعلت من قبول إنجازات الأوائل والأواخر والتفاعل معها نموذجا شاملا، كما نراه على سبيل المثال في الموقف من العلاقات بين الاشخاص . ففي مجال الرؤية الثقافية ارتقت إلى مصاف تصنيف الأمم على أساس علمي ، وفي مجال العلاقات نجدها ارتقت إلى مفهومنا للصح والخطأ فلكل منال نظرته وتقديره لدرجة الصح الخطأ ، مصاف بلورة وصياغة نظرية التسامح الروحي في الموقف من العلاقة وتطورها وتوجتها لاحقا . وهي ان الصح والخطأ هي هي مسألة نسبية استلهمت بصورة نموذجية حقيقة الأبعاد الفكرية عند كل شخص على حدة.
وهو إقرار بالتنوع نابع من سموّ الروح، الذي يجعل القلب كيانا قادرا على التنوع في الصور واحتواءها في الوقت نفسه. حيث تتحول العلاقات الانسانية وكتبها والطبيعة وما فيها إلى تجليات للمحبة، باعتبارها سر الوجود، الذي يعطي لكل شئ معناه الخاص به، بوصفه نسبة في نظام المطلق. حينذاك يصبح الرجوع إلى النفس رجوعا إلى معالمها المطلقة. وفي هذا تكمن ماهية الخروج على عادة "الأنا" و"الآخر" والتعارض بينهما. حينذاك يصبح التسامح معيارا فعليا للحق والحقيقة. وهي إحدى النتائج العظيمة التي بلغتها الرؤية الثقافية في عالم الإسلام.
لكنها رؤية كانت تستند بأصولها وتستمد ديمومتها من معترك تاريخها الذاتي، أي انها كانت تؤسس لفكرة التسامح مع النفس والآخرين بمعايير تجاربها الذاتية. وهي الصيغة الواقعية والعقلانية الوحيدة القادرة على إرساء أسس ثقافة التسامح. وذلك لاوان ثقافة التسامح هي حصيلة معقدة ورقيقة للغاية تتوقف كيفية فعلها وردودها على منظومة القيم الكبرى السائدة. وهي منظومة سوف تواجه على الدوام القضايا الفعلية للتسامح من خلال الإجابة على الأسئلة الواقعية المتعلقة بماهية بالتسامح، وكيفيته، ومادته؟ وعلى أي قواعد؟ وهل التسامح قاعدة أم مبدأ أم أسلوب؟ أم انه من عيار آخر؟ وهي أسئلة كانت وما تزال وسوف تظل تقلق العقل والضمير الإنسانيين في سعيهما لتأسيس حقيقة التسامح.
وان علاقتنا مع اصدقاؤنا يجب ان تكون مرسومة على اعتبار ان لكل منا شخصيته التي تميزه عن غيره بطبيعة خلقة الربانية ،وان حقيقة هذا الوجود يتحتم عليها ان تمتلك صفتا الخطأ وعدم الكمال ،لان ذلك من صفات الخالق ، فكل منا يخطئ ويصيب ،وهذه سنة الكون ، اما اذا وقفنا على كل شاردة وورادة فان ايامنا وحتى ليالينا سوف تكوم حبلى بالتفكير بخطأ صديق أو هفوة شريك .
ولاننسى قول الرسول )ص):
التمس لأخيك عذرا" وفي رواية أخرى ستين عذرا.
\هنا يتجلى لنا الافق الرحب من التعمق في فهم نفسية من نتعامل معه وان لانجير هواجسنا لمراقبة اخطاء من هم في ديدن علاقنا اليومية، انا اتفق مع الاخوة والاخوة بان هناك من يطئ معك وهم كثير ولكن بالمقال لاعلينا ان نمتلك صفة احتواء اخطاء الاخرين من خلال معالجتها وان تكون المعالجة بطريق معالجة الخطأ بالصح ، لا معالجة الخطأ بالخطأ،لانه عندئذ يصبح الخطأ مركبا" ويبدون انه سوف يكون ككرة الثلج المتدحرجة.
ويحضرني قول الشاعر:
اذا كنت في كل الامور معاتبا" ..........صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
أجل لسبب بسيط لان كل انسان لديه غريزة الخطأ والصواب .
كما يجب عليناان نبتعد عن الثأر للنفس وان نتميز بصفة التسامح لان التسامح دليل الوعي في باطن الامور ومنها أسباب اخطاء الاخرين .
وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .
فعندما نستشعر الخطأ في ثنايالا العلاقة من اصدقاؤنا علينا ان نحاول استكشاف سبب هذا الخطأ وهو كائن من تفكير بالولوج في الأصرار على الامعان في الخطأ,وان نحاول الارشاد وان نقترب اكثر للعفو والتسامح .
واخيرا" هذا ما رأيته من وجهة نظري واتوجه بشكري للاخ العزيز ذو الافكار النيرة عبد الكريم ، وللاستاذ الغالي ايهم واذكره باننا لن ننساه حتى لو نسانا ان ابتعدنا عن محرك صفحة بحثه وانه قريب من القلب كما اي اخ واخت في المنتدى واننا نتمثل ثقافة التسامح .
ولا انسى شكري للخال العزيز البعيد القريب ابو محمد المستشار.