جذور السوس..بقلم إبراهيم القاضي

[محمود المشعان]

من تراث الفرات

جذور السوس

ذكر العالم ابن سينا في كتابه ( القانون في الطب) ( أن عرق السوس يستخدم عصارته في تليين الجروح وتنقيتها ،وينفع الرئة والحلق وينقي الصوت ، ويسكن العطش وينفع في التهاب الأمعاء) .
عندما يدور الحديث عن نبات ( السوس) فإن أول مايتبادر إلى الذهن ، ذلك الشراب الطيب المرتبط بشهر الصوم ، لكنه في الحقيقة أقدم من العام الذي فرض فيه شهر رمضان نفسه ، فلقد استخدمه الصينيون منذ زمن طويل جدا ، استخدموه ليضفي مذاقا حلوا على الأدوية المرة التي كانوا يتعالجون بها.
كما عرفه البابليون والآشوريون
وعرفه قدماء المصريين ، ووجدت جذوره في قبر الفرعون ( توت عنخ آمون)
لكن الإكثار من شربه يسبب أضرارا وخصوصا للحوامل ، ولاينصح بشربه للمرضى الذين يعانون من مرض ( ضغط الدم) وقال بعض الأطباء أنه لاينصح بشربه ممن يعاني من مرض القلب
كان نبات السوس ولايزال ينبت في مناطقنا وبشكل خاص في الحوايج النهرية وعلى جوانب النهر وليس في كل مكان ، في بعض الأمكنة تجده وفي أمكنة أخرى ليس له وجود
في ( حويجة المريعية) كانت توجد منه كميات كبيرة جدا ، قبل أن تكثر ( الجرارات الزراعية) وقبل ان تتوسع المساحات المزروعة ، كان عدد سكان الحويجة قليلا ، وكانت المساحات الخالية شاسعة ، حيث كان موسم استخراج ( عروق السوس) حيث يبدأ تقريبا في الشهر السابع أو في منتصفه حتى شهر أيلول أو أبعد قليلا .
يأتي ( السواس) وينصب خيمته ، أو أن يحل ضيفا على أشهر من اشتغل بهذه المادة وهو المرحوم ( أحمد الحمود السرحان) أبو سلام فيما بعد
وكان يتجمع ذلك السوس حتى يصبح بارتفاع عال ، ويأتي السواس بشاحنة كبيرة وينقله إلى معامل حلب للتصنيع .
يبدأ موسم استخراج ( عروق السوس) وتبدأ الحفر في الظهور في الأراضي ، هذه لفلان وتلك لعلان من الناس ، وتتبع عرق السوس مهمة شاقة لانها تتطلب مهنية وحرفية في ذلك ، وأشهر من كان يستخرج العروق وبمهنيه عالية المرحوم ( خلف الدرويش الحميدي أبو حمادي) حيث كان باستطاعته جمع ( بشت) من عروق السوس في يوم واحد
بعضهم يملأ كيسا أو كيسين كأكياس الرز أو السكر
وربما تتعاون عائلات فيما بينها في استخراجه
كانت تحدث مشاجرات حول استخراجه لان مستخرجي السوس كانوا ( يخربون ) حدود الأراضي في تتبعهم للعروق والبعض لايرضى أن يستخرج السوس من أرضه لانها تصبح مليئة بالحفر
ومن الذين كانوا يشترون السوس من الأهالي ( عبد المصطفى الزغير)
وكان هو وأحمد الهجان في تنافس على جمع تلك المادة
كان الوزن عبر ( قبان) وكثيرا ماكنا نغافل ابا سلام ونزيد من العروق التي بيعت ونضعها بخفة بين عروق السوس التي جمعناها لان القبان ملاصق لكومة العروق
كان منها الغليظ والمتوسط
وكان لنبات السوس استخدام آخر
حيث كانوا يقطعون أغصانه الخضراء ويضعونها على ( العرازيل) و( الصرايف)
كما يضعون الطري منها على فم ( شوال) الباذنجان المعد للبيع كي لايذبل ، ففي موسم الخضرة الصيفية نبني ( العرزالة) ونذهب لجمع أغصان السوس ونضعها على العرزالة التي تم بناء هيكلها ، لنقوم بتغطيتها بأغصان السوس
والى الآن ينادي أهل قريتنا أبناء الحويجة ( بأهل السوس) لان السوس يوجد بكثرة في الحويجة
ينتهي موسم السوس ، بعد أن يرتفع سعره مع دخول البرد
كان يباع بنصف ليرة وبليرة وآخر سعر كان ليرة ونصف
تشتري البنات مايلزمهن من مستلزمات كذلك الأولاد بعد ( الحساب) حيث لكل صفحته وماباع وماوزن عند الذكي والعبقري في الحساب المرحوم احمد الهجان
، حيث درس بكالوريا تجارية رحمه الله
من أشهر الأماكن التي كان يستخرج منها السوس أرض ( الرفدات) ولد السليمان الرفدة لانها كانت غير مزروعة ومحاذية للنهر قديما قبل أن يتحول مجراه .
وهناك ( طعس عجاج) وكان مليئا بذلك النبات
كذلك ( السواقي) والتي تسمى ( القواد) من ( القود) وهي الساقية حيث كانت تنكسر وتسيل المياه لان الأهالي قد حفرت حواشيها
دخلت الآلة الأراضي الزراعية ، وكثر عدد السكان ، وتوسعت المساحات المزروعة المستصلحة ، ومع ذلك كان بعض الأولاد يجري وراء الجرار لالتقاط عروق السوس ، الذي بدأ يتناقص قليلا قليلا
بعدها تناقصت الكميات ، ولم يعد يأتي ( السواس ) إلى حويجتنا ، وانتهت تلك الملحمة
الصورة المرافقة لنبات السوس
أرحب بإضافاتكم أو ملاحظاتكم على المنشور
نتقدم بجزيل الشكر للأستاذ إبراهيم القاضي على هذا المنشور..