حقيقة الدنيا يا احبابي :
اخوتي المؤمنين: الدنيا دار أماني وغرور فاحذروها، فإن أمانيها كاذبة، وإن آمالها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، وأنت منها على خطر، إما نعمةٌ زائلة، وإما بلية نازلة، وإما مصيبةٌ موجعة، وإما ميتةٌ قاضية.
تزود من الدنيـا فإنـك لا تــدري *** إذا جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجـر
فكم من فتى أضحى وأمسى ضاحكًا *** وقد نُسِجت أكفانُه وهو لا يـدري
وكم من صغارٍ يُرتجى طولَ عمرهم ***وقد أُدخلت أجسـادُهم ظلمة القبر
وكـم من عروس زيَّنوها لزوجـها ***وقد قُبِضت أرواحهم ليـلة العُرس
عجبًا والله لمن يعرف أن الموت حق كيف يفرح!! وعجبًا لمن يعرف أن النار حق كيف يضحك!! وعجبًا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها!! وعجبًا لمن يعلم أن القدر حق كيف ينصب!! ونحن في هذه الدنيا ساهون لاهون.. واسمعوا إلى هذا الصوت ينادي، صوت بلال بن سعد وهو يقول: يا أهل التقى إنكم لم تُخلقوا للفناء، وإنما تُنقلون من دار إلى دار، كما نُقِلتُم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في الجنَّة أو النار.
مراحل متتابعة، وأزمنة متتالية، قطعنا منها مراحل عدة.. ونحن والله في غفلة، وإلا كيف تحلو الحياة بنا، ويطيب العيش لنا.. ووراءنا القبور ثم الوقوف بين يدي الجبار جل جلاله ثم الخلود إلى لجنَّة أو النار.. أهوال وأهوال. إخواني.. تفكروا ما في الحشر والمعاد، ودعوا طول النوم والرقاد، وتفقدوا أعمالَكم، فالمناقِش ذو انتقام، إن في القيامة لحسرات، وإن عند الميزان لزفرات، فريق في الجنَّة وفريق في السعير.. ففريق يرتقون إلى الدرجات، وفريق يهبطون إلى الدركات.. وما بينك وبين هذا الأمر إلا أن يُقال: فلان قد مات.
لا تأسفْ على الدنيا ومـا فيهــا ***فالموت لا شـك يُفنينا ويُفنيــها
واعمل لدار البقاء رضوانُ خازنُها ***والجارُ أحمدُ والجبـــَّار بانيها