اعرف غيرك
بنى سقراط فلسفته الأخلاقية على شعار «اعرف نفسك». تجددت حكمة هذا الشعار في العصر الحديث واستمدت قوة خاصة من فرويد ومدرسة التحليل النفسي التي رمت إلى معالجة العلل النفسية والمواهب الشخصية بالغور في أعماق الشخص بحيث يعرف نفسه وتاريخه وسيرة حياته. اعرف نفسك لتنجح في حياتك! تجدهم ينفقون الكثير على الاختبارات والاستشارات لمعرفة قدراتهم، ما قد يجيدونه أو لا يجيدون.
بيد أن الحياة في مجتمعنا العربي لا تتماشى أبدا مع نصيحة سقراط ولا نظريات فرويد. إذا كنت تريد أن تنجح في حياتك فعلا في عالمنا العربي فاتبع شعار «اعرف غيرك». وهما كلمتان توصلانك إلى هذه الحكمة الأبدية. ليس المهم ماذا تعرف وإنما المهم مَن تعرف. فنجاحك في حياتك لا يتوقف على ما درست وتعلمت وخبرت بل على من تعرف أو من يعرف والدك، أو تعرف زوجتك، اعرفهم وتعرّف إليهم وكرّس وقتك لفهمهم ومعرفة أهوائهم وهواياتهم وأمنياتهم. أي نوع من الأحذية الأجنبية يفضلون، أي نوع من السبحات يستعملون. أيحبون الشعر؟ أي شاعر يحبون؟ احفظ شيئا من أشعاره لتتلوه عليهم بمناسبة أو دون مناسبة، كلما عادوا من الحمّام أو أخذوا نفسا من النارجيلة.
يتضمن شعار «اعرف غيرك» التجسس على أصحابك وجيرانك وزملائك في العمل والكلية. من أين جاء أبو فاضل بسيارته المرسيدس الجديدة؟ ومن هذه الشقراء البيضاء التي كانت تجلس بجواره في السيارة؟ أنصت جيدا واسمع. فعندما كانت تتكلم بالجوال، هل كانت تتكلم باللغة الروسية أم بالعبرية؟ لماذا انتقل الأستاد عبد السميع من حزب الثورة العربي إلى حزب الائتلاف الإسلامي؟ هل تغير رصيده في البنك؟ حاول أن تعرف. اعرف غيرك! ولا تنسَ ذلك. .