رقم العضوية :
28
|
تاريخ التسجيل :
Jan 2009
|
المشاركات :
914
|
النقاط :
|
تقييم المستوى :
16
|
مزاجي:
|
سن عائشة رضي الله عنها عند زواجها بالنبي عليةالسلام
سن عائشة عندما دخل بها النبي!
كم كان عمر السيدة عائشة عندما دخل بها النبي الكريم؟!
أكثر الروايات تقول أن النبي الكريم تزوج السيدة عائشة وهي بنت ست سنين, ودخل بها وهي بنت تسع سنين, وورد في ذلك الروايات الكثيرة, ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه في باب: تزويج الأب البكر:
"..... حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت:
تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين وبنى بي وأنا بنت تسعةسنين, قالت: فقدمنا المدينة فوعكت شهرا فوفى شعري حميمة فأتتني أم رومان وأنا علىأرجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريد بي فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب فقلت: هه هه حتى ذهب نفسي, فأدخلتني بيتا فإذا نسوة من الأنصار فقلن: على الخيروالبركة وعلى خير طائر, فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني, فلم يرعني إلا ورسولالله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمنني إليه " اهـ
وروايات أخرى كثيرة مشابهة في البخاري ومسلم وغيرهما تتفق في هذا المعنى من أن الرسول تزوجها وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين, لذلك نجد الإمام ابن حجر يقول في "فتح الباري":
" قوله: باب إنكاح الرجل ولده الصغار:
ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح, وبفتحهما على أنه اسمجنس, وهو أعم من الذكور والإناث.
قوله (لقول الله تعالى: "واللائي لم يحضن", فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ) أي فدل على أننكاحها قبل البلوغ جائز,وهو استنباط حسن, لكن ليس في الآيةتخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر.
ويمكن أن يقال الأصل في الأبضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل, وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداه على الأصل, ولهذا السر أورد حديث عائشة, قال المهلب: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها.
إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ, وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن, وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهيبنت ست سنين كان من خصائصه, ومقابله تجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرةكانت أو صغيرة بكرا كانتأو ثيبا.[1]" اهـ
فهل هذه الروايات صحيحة؟ أم أن بها عبثا من الرواة؟!
إذا نحن رجعنا إلى الرواية التي ذكرناها سابقا, عند حديثنا عن عرض خولة بنت حكيم الزواج على النبي الكريم, وكيف أنها خيّرته بين البكر والثيب, ثم أخبرته أن البكر هي عائشة, والثيب هي سودة, يحق لنا أن نتساءل:
هل يُقبل أن تعرض امرأة على رجل, تريد أن تخرجه من حالة الحزن أو البعد عن النساء, طفلة؟! فتقول له: اخطب طفلة, ثم انتظر سنة أو اثنتين أو أكثر حتى تكبر ثم تزوجها!!
المعقول أن تعرض عليه شابة صالحة للزواج, فإذا وافق الرجل عليها, ذهبتْ فأتمت الموضوع! أما أن تعرض طفلة صغيرة, فلا نفع من هذا العرض, بل هو من باب المزاح الثقيل!!
فإذا تركنا هذا الحديث الذي لا بد أن يستفاد منه أن السيدة عائشة كانت شابة, وجدنا أن هناك الكثير والكثير من الشواهد التاريخية الأخرى التي تثبت أن هذا التاريخ مغلوط, وأن ما اشتهر من أن السيدة عائشة وُلدت في السنة الرابعة من البعثة, -وهذا التحديد استنتجه العلماء من الروايات التي تحدثت عن عام عقد النبي عليها ودخوله بها, والتي قالت أن النبي عقد عليها قبل الهجرة بسنة ودخل عليها بعد الهجرة بسنة أو سنتين!- غير صحيح, وأن النبي الكريم ما تزوج السيدة عائشة ولا دخل بها في هذا السن, وإنما بعده بكثير, ولنتتبع هذه الشواهد التاريخية:
إذا نحن رجعنا إلى مصدر من أقدم المصادر التاريخية الإسلامية وهي سيرة ابن إسحاق, والمعروفة والمختصرة بسيرة ابن هشام وجدناه يعدد السابقين في الدخول في الإسلام على يد أبي بكر الصديق, فيقول: ".... وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاح بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ . وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ[2]." اهـ
فابن إسحاق يذكر السيدة عائشة من بين السابقات إلى الدخول في الإسلام, ثم يعلق على هذه المسألة بقوله: "وهي يومئذ صغيرة" –نرى أنها كانت حوالي أربعة أعوام–, وهذا يعني أن من روى لابن إسحاق لم يكن غافلا ولم يقل هذا سهوا, وإنما كان يعي ما يقول, وبهذا يكون ابن إسحاق وابن هشام من الذين يقولون أن السيدة عائشة كانت مولودة قبل البعثة وليست بعدها!
وكذلك نجد المطهر بن طاهر المقدسي ت: 355هـ, يعدد في كتابه الكبير: البدء والتاريخ السابقين إلى الإسلام, فيقول: " ..... وخباب بن الأرت وعامر بن فهيرة -رضي الله عنهم أجمعين- ومن النساء: أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب وفاطمة بنت الخطاب امرأة سعيد بن زيد بن عمرو وأسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة, فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في خفية قبل أن يدخل دار أرقم بن أبي الأرقم ...[3]" اهـ
فكذلك نجد أن هذه الرواية تؤكد أن السيدة عائشة كانت صغيرة في بداية البعثة النبوية! فإذا تركنا الروايات عن كون السيدة عائشة من السابقات إلى الإسلام, وجدنا أن الفارق العمري بين السيدة أسماء[4] والسيدة عائشة من الدلائل على ما نقول:
فالمشتهر أن أسماء بنت أبي بكر ولدت قبل البعثة بأربعة عشر عاما, وماتت سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وكان عمرها عند موتها مائة عام بالتمام والكمال, ونجري عملية حسابية بسيطة: 14 قبل البعثة + 13 سنة في مكة = 27 عاما + 73 = 100 عام.
كم كان الفارق بينها وبين أختها السيدة عائشة ؟
جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر في التعريف بالسيدة أسماء بنت أبي بكر: " ........ وكانت أخت عائشة لأبيها قال ابن أبي الزناد وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين." اهـ
وقالالذهبيفي سير أعلام النبلاء:
"وماتت أمه بعده بشهرين أو نحو ذلك، ولها قريب من مئة عام. هي آخر من ماتت من المهاجرات الأول رضي الله عنها، ويقال لها: ذات النطاقين. كانت أسن من عائشة بسنوات[5]." اهـ
فإذا طرحنا عمر السيدة عائشة من عمر السيدة أسماء, فنفهم من هذا أن السيدة عائشة ولدت قبل البعثة بأربع سنوات وليس بعدها بأربع سنوات, فيكون ما حدث في النقل هو من باب الخلط! ويكون الأمر قد التبس على الرواة!
فإذا تركنا مسألة الفارق بينها وبين السيدة أسماء, وجدنا أن السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل النبي الكريم لجبير بن مطعم!, وهذا ما لا يُختلف عليه, بل إن بعض الروايات زادت على ذلك, فقالت إنها كانت زوجه[6]! وذلك مثل ما رواه ابن سعد في طبقاته:
"عن عبد الله بن أبي ملكية قال: خطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عائشة بنت أبي بكر الصديق فقال: يا رسول الله إني كنت أعطيتها مطعما لابنه جبير فدعني حتى أسلها منهم. فاستسلها منهم فطلقها فتزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.[7]" اهـ
فكيف كانت عائشة هذه التي تُخطب أو تُزوج قبل السادسة؟! –مع ملاحظة أن السيدة عائشة لم تكن جسيمة! حتى لا يفكر أحد في هذه الاحتمالية!
وابن عبد البر يقدم لنا في الاستيعاب رواية تقضي على هذه الاحتمالات كلها, وتقدم لنا نموذجا لعدم نقد المحتوى الخبري, وهي:
" .... تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين, هذا قول أبي عبيدة وقال غيره بثلاث سنين وهي بنت ست سنين وقيل بنت سبع, وابتني بها بالمدينة وهي ابنة تسع, لا أعلمهم اختلفوا في ذلك.
وكانت تُذكر لجبير بن مطعم وتُسمى له وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُري عائشة في المنام في سرقة من حرير فتوفيت خديجة فقال: إن يكن هذا من عند الله يمضه.
فتزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين, فيما ذكر الزبير, وكان موت خديجة قبل مخرجه إلى المدينة مهاجراً بثلاث سنين. هذا أولى ما قيل في ذلك وأصحه إن شاء الله تعالى, وقد قيل في موت خديجة إنه كان قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع على ما ذكرناه في بابها[8]" اهـ
ففي هذه الرواية يقول ابن عبد البر أن النبي تزوج عائشة وهي بنت ست سنين, كما يقول أنها كانت تُذكر لجبير بن مطعم وأن النبي الكريم رآها في المنام قبل موت السيدة خديجة, ولمّا تُوفيت تزوجها بعد ذلك بثلاث سنوات!
فلو قلنا أن النبي رآها قبل موت السيدة خديجة بسنة واحدة فقط, وأنه تزوجها بعدها بثلاث سنوات, فإن هذا يعني أن النبي الكريم رأى في المنام طفلة رضيعة يقال أنها زوجه؟!
ولو قيل بأن الله قدّم له في المنام صورتها التي ستكون عليها فيما بعد, لما عرفها النبي ولسأل من هذه؟ وهو لم يفعل هذا, لأنه كان يعرف التي رآها!
المعقول والمقبول أن تكون أكبر من هذا حتى تُخطب أو تزوج, وأن تُرى في المنام فتُعرف ولا يُستغرب!
والنقطة التي لم ينتبه إليها القائلون بالست سنين, هي: الحصار!
فكلنا يعلم أن المشركين كانوا قد فرضوا حصاراً على النبي وأصحابه في شعاب مكة, استمر قرابة الثلاث سنوات!
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل كانت الخطبة قبل الحصار أم بعده؟
المنطق يقول أنه لزام أن تكون الخطبة لجبير قبل الحصار, لأنه من غير المقبول أن يكون هذا حال المشركين ضد المسلمين, ثم يخطب صاحب الرسول وصديقه أبو بكرابنته لأحدهم! فإذا قلنا أنه كان قبل الحصار, فكم كان عمر السيدة عائشة عند خطبتها؟! عام أم اثنان أم ثلاثة؟!!
فإذا تركنا هذه المسألة وجدنا أن هناك روايات في البخاري, يُستفاد منها أنها لم تكن صغيرة, وأنها وُلدت قبل الإسلام, من ذلك ما رواه البخاري في باب: جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده:
" .... أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ...."
فهذه الرواية, تثبت أن السيدة عائشة كانت مولودة قبل البعثة بدليل
قولها: "لم أعقل أبواي قط إلا وهمايدينان الدين"
فهنا نجد السيدة عائشة تقول: أنها عندما بلغت التمييز والعقل كان أبواها يدينان بالدين, بينما عندما لم تكن تعقل لم يكونا قد أسلما[9], ومن ثم فيُفهم أن الدعوة إلى الإسلام بدأت بعد فترة قصيرة من ولادتها!
وأصحاب الرأي الآخر لم يجعلوا ل "أعقل أبواي" أي ميزة, فكأنها قالت: وُلدت! ولو كانت وُلدت وأبواها مسلمين لقالت: ولدت وأبواي يدينان الدين!
ولا يمكننا أن نجعل قولها: "لم أعقل" مساوٍ ل: "ولدت"!
أدلة إضافية
مشاركتها في معركة بدر وأحد[10]
يروي لنا الإمام مسلم, في باب كراهية الاستعانة في الغزوة بالكافر, رواية, تبين أن السيدة عائشة شاركت في معركة بدر، فيروي لنا رواية على لسانها, عن رحلتها إلى بدر وعن حادث مهموقع أثناء السفر:
"... حتى إذا كنا بالشجرة ...."
فهذا دليل ساطع على أنها كانتمن ضمن المسافرين نحو بدر.
وكذلك نجد رواية أخرى عند البخاري في باب: غزو النساء وقتالهن مع الرجال:
"عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ" اهـ
فهذا دليل آخر على أن عائشة شهدت أحد!
وهنا يحق لنا أن نتساءل:
إذا كان النبي قد منع القاصرين من الرجال من المشاركة في معركة أحد, استناداً إلى الرواية التي رواها البخاري في باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم:
".... حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي.
قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ" اهـ
فكيف أباح للسيدة عائشة وهي في التاسعة من عمرها تقريبا المشاركة في غزوة بدر؟!
إن هذه الروايات دليل على أن السيدة عائشة لم تكن طفلة صغيرة عندما دخل النبي الكريم بها بعد سنتين من الهجرة, فلم تكن تلك الطفلة التي أُخذت من على الأرجوحة وزُوجت النبي, وإنما كانت شابة فتية "رجلة", يمكن الاعتماد عليها في أعسر المواقف, حتى أنها شاركت في غزوتي بدر وأحد, فلم تخرج لتتسلى بمشاهدة المعركة, وإنما لتساعد الرجال وتمرضهم إذا اقتضى الأمر!
نزول سورة القمر
يروي لنا البخاري في كتاب التفسير, رواية عن يوسف بن ماهك, يقول فيها:
"إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: "بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"
فالرواية تقول أن سورة القمر نزلت والسيدة عائشة جارية تلعب!
وسورة القمر نزلت لثمان سنين قبل الهجرة أي عام 614 م, فإذاكانت بداية عيش عائشة جنب النبي سنة 623 أو 624 و هي في التاسعة من عمرها، فهذايعني أنها كانت رضيعة عندما نزلت سورة القمر!
ولكن الروايةالسابقة تقول أنها كانت جارية, وليست رضيعة سنة النزول، وهو ما يؤكد بالضرورة أن سنهاكان يتراوح زمن نزول سورة القمر بين السادسة والثالثة عشر, و من ثم يكون سنها وقت زواجها يتراوحبين الرابعة عشر والحادية والعشرين.ومن ثم لا يمكن القول أنها كانت في التاسعة عندما دخل بها النبي!
وحتى على فرض أنها ولدت بعد البعثة بأربع سنوات –وهذا ما لا نقول به ونرى صحة ما ورد عند ابن هشام وغيره, ونرى أن ما في البخاري ومسلم هو من تخليط الرواة! – فلنر كم كان عمرها عندما دخل بها النبي الكريم:
روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس أن الرسول مكث في مكة خمسة عشر عامًا: ".... عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سَبْعًا يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ وَثَمَانِيًا أَوْ سَبْعًا يُوحَى إِلَيْهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا" اهـ
فيكون عمرهاإذا دخل بها مباشرة بعد الهجرة:
15 – 4 = 11 عامًا, والمروي عن السيدة عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد الهجرة بسنتين. فيكون عمرها 11 + 2 = 13 عامًا.
ولو أخذنا برواية ابن عباس في البخاري يكون عمرها:
13 – 4 = 9 + 2 = 11 عامًا بالتمام والكمال.
إذا على أسوأ الأحوال فالرسول دخل بها وهي بنت إحدى عشر عاما وليس تسع سنين, كما أنه يفيد أن الروايات القائلة بست سنين غير صحيحة!
أما إذا أجرينا حساباتنا على الفرضية الأولى وهي أن السيدة أسماء أسن من السيدة عائشة بعشر سنين فيكون الأمر كالتالي:
27 + 73 = 100 سنة عمر السيدة أسماء حين ماتت, رضي الله عنها وأرضاها. فيكون عمرها عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو:
100 – 73 = 27 + 10 (11 هـ عام وفاة النبي) = 37 عامًا.
وعلى هذا فيكون عمر السيدة عائشة 37 – 10 = 27 عامًا بالتمام والكمال حين وفاة الرسول الكريم, فإذا أردنا تحديد زمن الدخول بها قمنا بالتالي : 27-9=18 , فبهذا يكون النبي الكريم تزوجها وهي بنت 18 عاما.
وبهذا نكون قد أثبتنا أن السيدة عائشة كانت امرأة حين تزوجها الرسول الكريم وحين دخل بها ولم يتزوجها طفلة! وبهذا نسقط الاستدلال الذي يستدلون به على أن الإسلام يبيح نكاح الأطفال أو أن الرسول الشهواني كان يبحث عن النساء في جميع الأعمار, وأهم من ذلك كله نكون قد أثبتنا أن الرسول الكريم مطبق للقرآن العظيم أمثل تطبيق, وهو قدوة للناس أجمعين فليس لدينا ما نخجل منه أو نحاول أن نبرره بأي حال من الأحوال.
كيف قيل بست سنين
قد يرفض القارئ الرأي الذي وصلنا إليه, الرافض لكون السيدة عائشة طفلة, لأن الروايات الواردة في هذا الشأن كثيرة جدا, فكلها تقول أنها كانت بين السادسة أو السابعة, ومن غير المعقول أن تكون هذه الروايات كلها غير صحيحة!
فنقول: ليست الروايات بالكثرة المتصورة, فمعظم الروايات عن هشام بن عروة عن أبيه, - ولقد تُكلم في هشام بن عروة[11] أنه كان يحدث عن أبيه ما لم يسمعه منه- وما لم يأت عن طريقه فهو قليل!
فإذا كان هشام أخذ هذا عن غير أبيه فإن هذا يسقط الجزء الأكبر من الروايات!
والذي أراه أنا, أن القول بست سنين, كان تقديرا من الرواة لعمر عائشة, يذكرونه عند حديثهم عن الزواج, ثم أصبح مع الزمان وتعصب الرواة لما يقولون, من قول عائشة نفسها.
وننظر في الروايات التي ذكرناها لنلحظ ذلك:
فإذا بدأنا بأول رواية ذكرناها في هذا الموضوع, وكانت من الإمام مسلم, نجده يقول:
" قال وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت:
تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين وبنى بي وأنا بنت تسعةسنين, قالت: فقدمنا المدينة فوعكت شهرا فوفى شعري ....." اهـ
فهذه الرواية كما هو جلي فيها حذف من الرواة أو إضافة! واقرأ الرواية تجد أنها تبدأ ب "قالت: تزوجني ..." ثم: "قالت: فقدمنا المدينة"
فإذا كان القولان من قولها, فمن المنطقي أن تقول مثلا:
تزوجني ثم قدمنا المدينة فحدث كذا وكذا وتزوجني وأنا بنت تسع سنين مثلا!؟!
إن هذا يشعر أن الراوي هو من وضع الجزء الأول تمهيدا من عنده, ثم بعد ذلك بدأ يحكي قولها!
والملاحظ أنه لا ترابط في الكلام, مما يشعر أن الراوي نسي شيئاً أو يروي الرواية مقتضبة, أو أن الصياغة من عنده!!
والذي يؤكد هذا القول, الرواية الطويلة التي ذكرناها عن الإمام أحمد بن حنبل عند حديثنا عن زواج الرسول, فالرواية جاءت بهذا الشكل:
" عن أبي سلمة ويحيى: جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ, قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَزَوَّجُ؟ (.......)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ (......) وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ" اهـ
فهنا نجد أن الإمام أحمد يذكر رواية عن أبي سلمة ويحيى, ثم في منتصف الرواية نجد أنهما يبدأن القص عن السيدة عائشة, ونجد أن أول ما يُحكى عنها قولها: "فقدمنا المدينة", وهي نفس الجملة التي جاءت في مسلم بعد "قالت"!
فهذا دليل على أن السابق من قول الراوي نفسه وليس من قول عائشة, إلا أنه ذكره على لسانها!
قد يقول قائل: ولكن رواية أحمد انتهت كذلك بقولها: "وأنا يومئذ بنت تسع سنين". نقول: نلاحظ, أنه لا ارتباط بين الجملة وما يسبقها, فهي مجرد إدراج للتعريف بعمر السيدة عائشة, وهنا جعلها الراوي على لسانها!
والذي يؤكد هذا, الروايات الأخرى التي جاءت عن السيدة عائشة, وقام الراوي بنفس الأمر, إلا أنه لم يجعل الجملة على لسانها!
فنجد أن ابن أبي عاصم يذكر في "الآحاد والمثاني" رواية تقول:
"عن عائشة رضي الله عنها قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنهما وذلك بمكة: أي رسول الله ألا تتزوج ؟ ........ فجاءه فأنكحه وهي يومئذ ابنة ست سنين «
فهنا جاء الحديث عن السيدة عائشة بضمير الغائب "هي"! وهذا يعني أن راوي الحديث لم يكن السيدة عائشة! لأنها لو كانت تتكلم عن نفسها لقالت: فأنكحنيه وأنا يومئذ ابنة ست سنين"
وكذلك نجد نفس الرواية عند الحاكم في "المستدرك على الصحيحين", إلا أنه قال في آخرها: " ..... فجاء فأنكحه، وهي يومئذ ابنة سبع سنين « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" اهـ
فهنا نجد كذلك رواية بضمير الغائب عن السيدة عائشة مع أنه من المفترض أنها هي المتحدثة!!
ونجد ابن سعد يروي في الطبقات الكبرى صراحة هذا الرأي عن هشام والزهري فيقول:
"أخبرنا محمد بن حميد العبدي، حدثنا معمر عن الزهري وهشام بن عروة قالا: نكح النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة وهي بنت تسع سنوات أو سبع.[12]" اهـ
والذي نراه أن الرواة أدرجوا قولهما عند روايتهم الأحاديث عن عمر السيدة عائشة عند زواجها! فكانوا يضعونه في بداية الرواية أو آخرها, على لسان السيدة عائشة!
[1] ابن حجر العسقلاني, فتح الباري في شرح صحيح البخاري, تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله, محب الدين الخطيب, المجلد التاسع, ص.190.
[2] ابن هشام, السيرة النبوية, المجلد الأول, ص.254.
[3] المطهر بن طاهر المقدسي, البدء والتاريخ, الجزء الرابع, ص. 146.
[4] مسألة الفارق العمري بين السيدة أسماء والسيدة عائشة هو الذي دفعني إلى البدء في هذا البحث! فلقد كنت كأزهري مقتنع بالتبريرات التي قدموها لنا في الدراسة, من أن الفتيات في جزيرة العرب في ذلك الزمان كن يبلغن في سن مبكرة, وأن هذا كان من عادات العرب! ....الخ التبريرات, إلى أن سمعت ضيفا في أحد البرامج الدينية يلمح إلى أن مسألة عمر السيدة عائشة غير ثابتة, وأن هناك من يقول أنها كانت أكبر من ذلك, استنادا إلى الفارق بينها وبين أسماء. إلا أنه لم يعرج على هذه النقطة, واكتفى بالردود التقليدية! وحدث بعدها أن كنت أعيد قراءة سيرة ابن هشام فوجدته يذكر عائشة في السابقين إلى الإسلام, فكان أن بدأت البحث!
[5] محمد أحمد الذهبي, سير أعلام النبلاء, المجلد الثالث, ص.379.
[6] كانت السيدة عائشة تكنى بأم عبد الله, نسبة إلى ابن أختها: عبد الله بن الزبير, إلا أن بعض الشيعة يقولون أن هذه الكنية كانت حقيقية, وعبد الله هذا كان ابنها من جبير! إلا أن هذا قول لا دليل تاريخي عليه! فالروايات الواردة كلها تقول أنها سألت النبي –لما رأت النساء تُكنى!- أن تتكنى هي الأخرى, فأمرها أن تكني نفسها بابن أختها: عبد الله!
[7] محمد بن سعد, الطبقات الكبرى, تحقيق: إحسان عباس, المجلد الثامن, ص.59.
[8] أبو عمر يوسف بن عبد البر, الاستيعاب في معرفة الأصحاب, تحقيق: علي محمد البجاوي, المجلد الرابع, 1881.
[9] يُسمى هذا الصنف من الاستدلال: دليل الخطاب! فعندما أخصص الشيء بالذكر فإن هذا يعني نفي ما عداه.
[10] هذا الدليل والدليلان القادمان ليسوا لي, وإنما وجدتهم على الشبكة المعلوماتية, فأعدت صياغتهم!
[11]على الرغم من أن هشام موثق, إلا أنه عيب عليه آخر حياته, قال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت، لم ينكر عليه إلا بعدما صار إلى العراق، فإنهانبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه أشياء، مما كان قد سمعه من غير أبيه عن أبيه. وقال عبد الرحمن بن خراش: بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة حديثه لأهلالعراق، وكان لا يرضاه، ثم قال: قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمة كان يقول فيها :حدثني أبي قال: سمعت عائشة. وقدم الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة. وقدمالثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة، يعني يرسل عن أبيه .
[12] محمد بن سعد, الطبقات الكبرى, تحقيق: إحسان عباس, المجلد الثامن, ص61.
منقول
التوقيع - عبد الرحمن العمري |
ان كان في الاجل فسحة تلا قينا والا ترحموا علينا
اخوكم العمري
- |
التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن العمري ; 09-26-2010 الساعة 11:41 AM
|