وأنا اتناول فنجان قهوتي قرأت هذه الخاطرة الجميلة
لمحمود درويش
قرطبة
ابواب قرطبة الخشبية لا تدعوني الى الدخول لإلقاء
تحية دمشقية على نافورة و ياسمينة . أمشي في
الازقة الضيقة في نهار ربيعي مشمس سلس.
أمشي خفيفا كأني ضيف على ذاتي و ذكرياتي ،
كأني لست قطعة أثرية يتداولها السياح . لا أربت
على كتف ماضي بفرح يتيم ، كما تتوقع مني قصيدة
مرجأة . ولا اخاف الحنين منذ اغلقت عليه حقيبة
السفر ، بل اخاف الغد الراكض امامي بخطى
الكترونية . كلما تطفلت عليه نهرني قائلا : ابحث عن
الحاضر . لكن الشعراء كثر في قرطبة . أجانب و
أندلسيون . يتحدثون عن ماضي العرب و عن
مستقبل الشعر. و في حديقة، قليلة الشأن و
الشجر ،ارى نصبا بحجم الكف لابن زيدون و ولادة ،
فأسأل احد شعرائي المفضلين ، ديريك ولكوت ، ان
كان يعرف شيئا عن الشعر العربي ، فلا يأسف عندما
يقول : كلا…لا شيء ، و مع ذلك بقينا ثلاثة أيام لم
نتوقف فيها عن الضحك و السخرية من الشعر و
الشعراءالذين وصفهم بلصوص الاستعارات …
سألني : كم استعارة سرقت ، فأخفقت في جواب .
و تبارينا في مغازلة القرطبيات و سألني : اذا اعجبت
بامرأة فهل تتقدم منها ؟ قلت: على قدر جمالها
جرأتي …. و أنت ؟ قال : أما انا ، فإذا أعجبتني امرأة
جاءت الي . قلت : لانك ملك و ابن .. ما لا اعرف . و
كانت زوجته الثالثة تضحك .
و في قرطبة ، وقفت امام بوابة بيت خشبية و بحثت
في جيبي عن مفاتيح بيتي القديم، كما فعل نزار
قباني . لم اذرف دمعة ، لان الجرح الجديد يخفي
ندبة الجرح القديم .
لكن ديريك ولكوت فاجأني بسؤال جارح : لمن
القدس ؟ لكم ام لهم ؟
محمود درويش