المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شغوب في حقائب السفر


منى
01-04-2010, 10:07 AM
عبد الدائم السلامي
يحدُثُ أن يطلُبَ سياسيٌّ مّا إلى مُساعِدَتِه بالمنزِلِ أن توظِّبَ له

حقيبةَ سفرِه قبلَ موعِدِ الطائرةِ بساعتيْن. ويحدُثُ، من كثرة

امتلاء جدول أعمالِه الوطنيّةِ بالمواعيد الرسميّةِ، أن ينسى

توصيتَه لها بضرورة وضع رَبطاتِ عُنُق ملائمة لبدلاتِه حتى

تتماشى ونوعَ السهرات التي سيحضرُ وما فيها من نساءٍ

وموسيقى سياسيّةٍ وماءٍ، ولكنّه لن ينسى البتّة، وهذا من باب

حرْصه على أداءِ مسؤولياتِه الوطنيّةِ بأمانةٍ، أن يوصيها

بضرورة لفِّ مُواطِنيه بأسرِهم شِيبًا وشَبَابًا ومُعارِضين

ومُوَالين منافقين لفًّا مُحْكَمًا حتى لا يفيضوا عن حجمِ حقيبَتِه،

ثمّ يأمرُ مساعِديه بحملِ الحقيبةِ وتمريرِها أمامَ عيون الجمارِك

الذي يمرِّرُها بدورِه من تحتِ منظارِه دون أن ينظر فيها ويؤكِّدَ

بابتسامةٍ صفراء خُلوَّها من المتفجِّرات ونوايا الإرهاب ثم يضع

عليها علامةً دالّةً على وجهةِ صاحِبِها ويرسلها إلى الشحن.

وتُشحنُ الحقيبةُ وفيها الشعبُ بأكمَلِه مع حقائق أخرى فيها

شعوبٌ أخرى حملَها سياسيّون آخرون صوبَ أماكنَ أخرى.

في الفضاءِ، تتكسَّد الشعوبُ في الحقائِبِ وتعلو أصواتُها

باعتبارِ أنها تعلمُ أنَّ أصواتَها لن تُسْمَعَ وستحمِلُها الريحُ

وتذروها ضوضاءُ مُحَرِّكاتِ الطائرةِ في الخلاءِ. فترى مُعارِضًا

يخطُبُ في جَمعٍ من الناسِ خُطبةً سياسيّةً لا غُبارَ عليها سوى

غُبارِ الإيديولوجياتِ الميِّتةِ، ويستنهضُ السامعين إلى هَبّةٍ

جماعيّةٍ لإحقاقِ العدلِ والمساواةِ. وحِذوَه، يَنْبري شاعِرٌ يُلقي

عُكاظيّةً قوليةً يسبُّ فيها أهلَ الأرضِ سبًّا موزونًا على بحرِ

الكامِلِ. وفي حقيبةٍ قريبةٍ يعلو صوتُ مطربةٍ تغنّي غناءَ أهلِ

النّارِ حتى تستقطِبَ أهلَ الجنّةِ، وفي ركنِ حقيبةٍ أخرى يجلسُ

سمسارُ أوطانٍ يبيعُ المترَ المربّعَ من الأرضِ بدولارٍ واحدٍ،

وإلى جانبِه كلبٌ يبسُطُ صوتَه ودجاجٌ ورجلٌ يَعُدُّ منهوباتِه من

العملةِ الصعبةِ ويسألُ أيُّ الاسواقِ أفضلَ لتبييضِها حتى تعودَ

نظيفةً من ألوانِ السرقةِ ويُنشئَ بها مشاريعَ وطنيّةً لفائدةِ

الشعبِ. ولا يخلو المشهدُ من رَجُلِ أمنٍ مُرصّعةٌ بَدلتُه

بالنياشين منزوعَ السلاحِ يضرِبُ أخماسَه في أسداسِه وهو

يُفكِّرُ في أشياءَ كانَ يمكنُ أن تحدُثَ.

في القاعةِ الشرفيّةِ بمطارٍ مَّا، يجلِسُ بعضُ هؤلاءِ الساسةِ

أصحابِ الحقائبِ المليئةِ بشعوبِهم يرتشّفون فناجين القهوةِ،

ويتضاحكون ضحكًا بالألوانِ دون خوفٍ من الانقلاباتِ

العسكريّةِ التي يخافُها الزعماءُ عند سفراتِهم إلى الخارِجِ.

ولكنْ، مِمَّا سيخاف هؤلاء وشعوبُهم مضغوطةٌ كالسرْدين في

حقائبِ سفرِهم موالاةً ومُعارِضين ومُستقِيلينَ من الحياةِ العامّةِ

دَجاجًا وثعابينَ وهِرَرةً ونَبَّاحينَ؟.
شكرا لك كاتبنا على هذه الفصاحه في زمن الرطانه