المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد الفراتي


ابو عمر
09-14-2009, 12:36 PM
محمد الفراتي"... بعيون دمشقية





اهتم الكثير من الكتاب والباحثين بآثار "الفراتي" الأدبية والفكرية والفنية، وكتب عنه العديد من الدراسات النقدية، كما كان مادة غنية للأطروحات الجامعية وغيرها، إلا أن السيرة الذاتية والكتابات الخاصة المتعلقة بشخصية "الفراتي" وحياته الخاصة كانت قليلة جداً.
http://esyria.sy/sites/images/deiralzor/literature/089195_2009_03_16_15_14_42.jpg
من بين هؤلاء الذين اهتموا بالفراتي، وكتبوا عن علاقتهم الشخصية به، ورصدوا بعض التفاصيل اليومية في حياته، كان الشاعر (الدمشقي) د." نزار بني المرجة"، الذي حاضر مراراً في هذا الموضوع، كما نشر بعض المقالات المتعلقة بحياة وشخصية الفراتي، كما رآها عن قرب.

في "دمشق"، وبتاريخ 14/2/2009 التقى eDeir alzor بالشاعر "نزار بني المرجة"، (رئيس فرع ريف دمشق لاتحاد الكتاب العرب) وسأله عن سرّ اهتمامه بالفراتي وأين وكيف تعرف عليه، وكيف رآه، فقال:

«مكانة الفراتي في الشعر السوري خصوصاً والعربي عموماً، لا يمكن أن يختلف عليها النقاد المنصفون، فهو أحد ستة شعراء ولدوا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكانوا المؤسسين الحقيقيين للحركة الشعرية في سورية وهم : "محمد الفراتي" (1878 – 1978 )، "محمد البزم"(1878-1955)، "خير الدين الزركلي" (1893-1959)، "خليل مردم بيك" (1895-1959)، د. "علي الناصر" (1896-1970) وشفيق جبري (1898-1980) .‏

كانت بداية معرفتي وصداقتي مع الشاعر "الفراتي"، عندما صادفته وسط حركة مزدحمة نسبياً على الرصيف المحاذي لمبنى مديرية البرق والهاتف الآلي في شارع النصر، لقد كنت على موعد، قبل ظهر أحد أيام شهر أيار 1973، لأصادف الفراتي وجهاً لوجه بشخصيته المتميزة وبجسمه النحيل وبزته الرسمية البيضاء وطربوشه الأحمر ونظاراته المماثلة لنظارة "المهاتما غاندي" ولحيته المميزة، بادرته بالتحية باحترام عميق، فردّ التحية بأحسن منها، قد يكون هذا أمر عادي بالنسبة له، ومن المؤكد أنه اعتاد مثل هذه المواقف كونه شخصية معروفة ومشهورة ومميزة، أما أنا فكانت سعادتي لا توصف، بل أكاد لا أصدق أنني أقف مع شاعر الفرات العظيم ومبدع تلك القصيدة الجميلة الشهيرة التي درسناها وبقيت، وستبقى عالقة في الذهن، على خلاف الكثير من النصوص، والتي يقول في مطلعها الشهير:‏

ذاك نهر الفرات فأحبوا القصيدا/من جلال الخلود معنىً فريدا‏

باسـماً للحياة عن سلسبيلٍ‏/كلمــا ذقته طلبت المزيدا‏

وخريـر كأنه زفراتٌ‏/من محبٍ قد صعــدَ تصعيدا‏

نحن قتلاه في الهوى وقديماً‏/ شـفَّ آباءنا وأصبى الجدودا‏.

وبلهجة أبوية دعاني لاحتساء الشاي معه في مقهى "الحجاز"،على الجانب الآخر من الطريق، وبالطبع لم أكن لأقوى على رفض تلك الدعوة، ووجدت نفسي أعود القهقرى وأقطع الشارع عائداً بعكس سيري باتجاه (مقهى الحجاز) ويدي بيد الفراتي.‏

كان إنصاتي للفراتي إنصاتاً للتاريخ، فكم هو شيّق أن يحدثك بنفسه عن سفره إلى مصر وإقامته فيها ستة أعوام ما بين عام 1911 وحتى التحاقه بالثورة العربية الكبرى في الحجاز 1916، وعن تلك الفترة التي أمضاها في مصر، التي عاشها طالباً في جامعة الأزهر، وروى لي عن علاقته الشخصية بأمير الشعراء "أحمد شوقي" وعميد الأدب العربي "طه حسين" وشاعر القطرين "خليل مطران"، والشاعر الكبير "حافظ إبراهيم" و"عبد القادر المازني" و"زكي مبارك"، وعن لقبه (الفراتي) الذي أطلق عليه في مصر ليصبح بعد ذلك كنيته المعتمدة والمعروفة.‏

تعمّقتْ معرفتي أكثر بالشاعر الكبير "محمد الفراتي" وعرفت منه (بصوته) أنه شارك في الثورة العربية الكبرى وتنقل بعدها مناضلاً بين عدة أقطار عربية حيث أمضى ثلاث سنوات في العراق وعقد هنالك صداقات وعلاقات مع نخبة من رواد http://esyria.sy/sites/images/deiralzor/literature/089195_2009_03_16_15_14_42.image1.jpg الشاعر محمد الفراتيالشعر العربي المعروفين في العراق كـ"جميل صدقي الزهاوي" و"معروف الرصافي" وغيرهما، كما أمضى ثلاث سنوات أخرى في البحرين، وهناك كان على موعد مع النضال ضد الاحتلال البريطاني، ثم سافر إلى إيران ليعود بعدها إلى سورية لمتابعة النضال ضد الفرنسيين إلى جانب الثوّار حتى الحصول على الاستقلال، وكم كانت ممتعة أحاديثه عن ذكريات شخصية له مع شعراء سورية الكبار كـ"بدوي الجبل" و"شفيق جبري" و"عمر أبو ريشة" و"عبد السلام العجيلي" وغيرهم.‏

لقد كانت الفترة التي عرفت فيها الفراتي هي السنة الأخيرة التي سبقت فترة تقاعده، عقب تفرغه للترجمة عن اللغة الفارسية في وزارة الثقافة، حيث ترجم العديد من روائع الأدب الفارسي، ضمن سلسلة من روائع الأدب الشرقي التي كانت الأولى من بين السلاسل المترجمة التي أصدرتها الوزارة في النصف الأول من الستينيات، وكانت ترجمته لكتاب (كلستان) أو (روضة الورد) للشاعر الفارسي الشهير "سعدي الشيرازي" هي الكتاب الأول الذي أصدرته وزارة الثقافة ضمن هذه السلسلة وذلك في العام 1962 ووصفت تلك الترجمة عند صدورها بأن لغة الترجمة فيها عربية خالصة لا تنـزل عن المستوى اللائق بشاعر كبير مثل "سعدي الشيرازي"، حيث كان الفراتي يترجم الشعر شعراً موزوناً ومقفّى، وجاء ذلك الكتاب في 315 صفحة من الورق الصقيل المزين بالرسوم الجميلة المعبرة عن المضمون.

كما صدر للفراتي بعد هذا الكتاب، وضمن السلسة ذاتها، كتاب (روائع من الشعر الفارسي) لـ"جلال الدين الرومي"، ثم ترجمته لكتاب (البستان) لـ"سعدي الشيرازي" أيضاً والذي يضم أكثر من أربعة آلاف بيت من الشعر.‏

ومعروف أن الفراتي ترجم (رباعيات الخيام) وكانت تلك الترجمة واحدة من أجمل الترجمات العديدة لها والتي اشتهرت منها فقط ترجمة "أحمد رامي" التي غنتها السيدة "أم كلثوم".‏

وبذلك يكون الشاعر الفراتي بمفرده هو من أسس وترجم البدايات الهامة لتلك السلسلة المكرسة لترجمة الأدب الشرقي وهذه الحقيقة نجدها مثبتة في الكتاب الصادر عام 1964 بعنوان "وزارة الثقافة والإرشاد القومي" والذي يتضمن توثيقاً لنشاطات وفعاليات تلك الوزارة بين عامي 1959-1964، وهي التي تأسست في العام 1958 كما هو معروف.‏

ولا بد من الإشارة هنا إلى حقيقة كون "الفراتي" من ضمن الكادر التأسيسي الأول لوزارة الثقافة والإرشاد القومي كما كانت تسمى في ذلك الوقت، حيث عمل فيها قرابة عقد ونصف من الزمن بين عامي 1959-1974، أمضى معظمها في الترجمة عن الفارسية كما عمل خلالها أميناً للمكتبة الوطنية في "ديرالزور".‏

وعلمت فيما بعد أنه بالإضافة لكل ما ذكرته، فقد ترجم "الفراتي" كتباً في قواعد تعليم اللغة الفارسية، وأنجز معجماً فارسياً عربياً، وأعمالاً أدبية فارسية هامة مثل "حي تبريز" و "بهارستان" و"نصيحة العطار".‏

وذكر لي الأديب الراحل أنه جمع ورتب كل ما عنده من دواوين الشعر بعد ذلك حسب الموضوع وأصدرها على النحو التالي:‏

1- العواصف: ويشتمل على الشعر الوطني والقومي.‏

2-. النفحات: ويشتمل على الشعر الوصفي الوجداني.‏

3- أروع القصص: ويشتمل على القصص العادي من أخلاقي وحكمي وأمثالي.‏

4- الهواجس: ويشتمل على الشعر الفلسفي والصوفي.‏

5- سبحات الخيال: ويتضمن شعر http://esyria.sy/sites/images/deiralzor/literature/089195_2009_03_16_15_14_42.image2.jpg د.نزار بني المرجةما وراء الطبيعة، وهو بمثابة سياحة في السماء وما وراء العوالم .

6- صدى الفرات: ويشتمل على الحوادث التي مرت بوادي الفرات.‏

وفي الحقيقة فما قرأته في المكتبة الظاهرية كما أذكر هو "ديوان الفراتي" وديوان "النفحات" و "الهواجس"، أما بقية الدواوين فلم تتح لي فرصة الإطلاع عليها، حيث علمت فيما بعد بأنه أعاد جمع قصائده حسب البلدان التي كتبها فيها ونشرها تحت عناوين: "المصريات" و"الحجازيات"، و"البحرانيات"، و"السوريات".

وقد علمت فيما بعد أنه أعاد جمع قصائده حسب البلدان التي كتبها فيها ونشرها تحت عناوين: "المصريات" و"الحجازيات"، و"البحرانيات"، و"السوريات".

وكانت مطالعتي لدواوين "الفراتي" تشكل مادة لاستمرار الحوارات الجميلة معه في كل جلسة، فمرة أسأله عن مناسبة إحدى القصائد، ومرة أسأله عن موضوع قصيدة أخرى، ومن المواقف الطريفة التي لا أنساها، أنني سألته ذات يوم بهدوء وجدّية عن رأيه بالشعر الحديث التفعيلة منه والمنثور، فرد علي يومها بنبرة غير معهودة منه قائلاً:‏ (الشعر المنثور أول من أتى لنا به "أمين الريحاني"، والعرب، والشرقيون على الإطلاق، وحتى شعراء الغرب إلى عهد قريب، لا يعرفون شعراً غير موزونٍ أو غير مقفّى ).. ثم أكمل بعصبية وغضب:‏

(يا بني الشعر المنثور قتلٌ للغة وللتراث ولحضارتنا الثقافية ..)، فوجدت نفسي كمن اقترف ذنباً بطرحي عليه ذلك السؤال.

وسألته مرةً عن نصيحة يقدمها لي ولزملائي الشعراء الشباب، فقال لي يومها: (نصائحي لشعراء الجيل:

أولاً: أن لا يصنعوا الزبيب قبل أن ينضج الحصرم، أي لا يستعجلوا على أنفسهم بنظم الشعر قبل أن يثقفوا أنفسهم، بحفظ روائع شعر أمتهم من قديمٍ وحديث.

ثانياً: أن لا يتعسفوا ويتبعوا كل ناعق، ويخرجوا عن محيط أدب أمتهم الذي تفاخر به الدنيا بأسرها ..)‏

ويومها نصحني أيضاً بحفظ أشعار المتنبي وأبي فراس الحمداني وقال لي وكأنه طبيب يصف الدواء لمريضه: عليك أن تحفظ خمسة آلاف بيت من الشعر على الأقل، وأنصحك بحفظ ديوان (الحماسة) لأبي تمام.‏

وعلى طاولة "الفراتي" الرخامية في المقهى، كنت أتأمل دائماً بضعة كتب قديمة ودفاتر ذات تجليد ممتاز قديم أسود أو أخضر، كان يشدني الفضول لمعرفة مضمونها، وذات مرة استرقت النظر إلى ما كان يقرأ الفراتي، فرأيته كتاباً مكتوباً بأحرف عربية ولكن كلماته غير مفهومة، وكانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها كتاباً باللغة الفارسية، ويومها أخبرني الفراتي بأنه ديوان (لسان الغيب) لـ"حافظ الشيرازي"، وأنه يعكف على ترجمته.

ومرت بعدها فترة طويلة، لم يتردد فيها الفراتي على المقهى، فسألت عنه فقيل لي قد تقاعد من عمله في وزارة الثقافة وعاد إلى "دير الزور"، وبقيت أتابع أخباره إلى أن علمت بمرضه الذي توفي على إثره، وكان ذلك في 17حزيران من عام 1978، رحم الله الفراتي».

يذكر أن الشاعر الكبير" محمد الفراتي" واحداً من أهم الشخصيات الفراتية على مر العصور، لما له من مآثر وأيادٍ بيضاء على بني جلدته، إذ كان من أوائل المعلمين لأبناء مدينته، وأول من أوقد في جنباتهم شعلة القومية العربية، وأول منفي ومطارد من قبل السلطات الفرنسية، كما كان أول شاعر(فصيح) في عموم وادي الفرات، حيث يبدو الأرشيف الأدبي للمنطقة، طوال الفترة العثمانية، خالياً من الأسماء السابقة لـ"محمد الفراتي" في هذا المضمار.

و"الفراتي" الذي درس في الأزهر الشريف، وشارك كبار شعراء مصر والعربية نشاطاتهم الأدبية والشعرية، كـ"حافظ ابراهيم" و"علي محمود طه" و"أحمد شوقي" وغيرهم، كان سريع الاستجابة لنداء التحرر العربي من الجهل والاستبداد العثماني، حيث غادر الأزهر ملتحقاً بالثورة العربية الكبرى التي كان يقودها "الشريف حسين"، ومنها عاد إلى مصر للمشاركة في ثورة "سعد زغلول".

بعد أن أنهى دراسته، أدار ظهره لمغريات "القاهرة"، وعاد إلى مسقط رأسه في" دير الزور" ليخوض فيها معاركه الشرسة مع الجهل والتخلف والأمية التي كانت تضرب في المجتمع، دون أن ينسيه ذلك مهامه الوطنية الأخرى والتي كان أهمها مقارعة الاحتلال الفرنسي، وهو ما أثار عليه السلطات المحلية فقررت نفيه إلى العراق، التي كان يغادرها أحياناً إلى دول أخرى كالبحرين وإيران، وفي هذه الأخيرة أتقن اللغة الفارسية ليساهم بعد ذلك في اغناء المكتبة العربية بترجمات متقنة لما يزيد عن سبعة آلاف بيت من عيون الشعر الفارسي.

*المراجع:

- الفراتي..حياته وشعره – د. شاهر مرير.‏

- محمد الفراتي – أحمد شوحان.

- حضارة وادي الفرات – عبد القادر عياش.
ال

عبدالكريم
09-15-2009, 04:16 PM
مشكور ابو عمر على المقالة الجميلة
ولتسليطك الضوء عن الشاعر الكبير محمد الفراتي

ابو عمر
08-22-2010, 09:28 AM
على عيني ياعبود

يستحق هذا الرجل منا الكثير

ابو عمر
10-25-2010, 11:13 AM
حبيت أححي هذا الموضوع

منى
10-25-2010, 11:36 AM
حقيقه موضوع اكثر من رائع

لخصت لنا حياة هذا الشاعر الكبير بهذه المقاله

الرائعه وأفدتنا بمعلومات كثيره كنا نجهلها عنه

أعجبتني هذه الفقره جدا والنصيحه الرائعه التي

تقدم لك شاب مبتدىء بالكتابه أو بالشعر

وسألته مرةً عن نصيحة يقدمها لي ولزملائي الشعراء الشباب، فقال لي يومها: (نصائحي لشعراء الجيل:

أولاً: أن لا يصنعوا الزبيب قبل أن ينضج الحصرم، أي لا يستعجلوا على أنفسهم بنظم الشعر قبل أن يثقفوا أنفسهم، بحفظ روائع شعر أمتهم من قديمٍ وحديث.

ثانياً: أن لا يتعسفوا ويتبعوا كل ناعق، ويخرجوا عن محيط أدب أمتهم الذي تفاخر به الدنيا بأسرها ..)‏

عليك أن تحفظ خمسة آلاف بيت من الشعر على الأقل،

هذه الجمله قالها لي كاتب كبير صديق لنا لكن بشكل مختلف
عليكي أن تقرأي خمس الآف كتاب
حتى تستطيعين أن تؤلفي كتاب

لكن من منا يقرأ في حياته هذا العدد

الهائل من الكتب

شكرا لمواضيعك الراقيه والمهمه

والتي تحمل لنا كل الثقافه والمعرفه

المستشار
10-26-2010, 11:48 PM
علينا أن نعترف أن معارفنا محدودة جدا .
وأحيانا معلوماتنا سطحية .
ومعرفتنا بكثير من الأعلام من أدبائنا وشعرائنا ومفكرينا ضحلة جدا وقد لا تزيد عن معرفة أسمائهم فقط .
وفي كثير من الأحيان لا نكلف أنفسنا عناء البحث في إنتاجهم والإطلاع عليه وهنا مكمن تقصيرنا الشخصي .
كما أننا لا نعفي الإعلام من التقصير في التعريف بهم , وأستطيع أن أدعي أنه في بعض الأحيان لديه خيار وفقوس .
إن ما دعاني لتسجيل هذه الملاحظات هو المشاركة الرائعة والبانورامية التي أتحفنا بها إبن الأخت القيصر قبل فترة عن الدكتور عبدالسلام العجيلي .
والمقالة التي نقلها لنا إبن الأخ أبوعمر عن الشاعر والأديب العلامة " محمد الفراتي " أيضا بمنتهى الروعة .
أعترف ببساطة انني لا أعرف عن محمد الفراتي غير إسمه وأنه شاعر وشخص ضليع باللغة الفارسية وهذا فقط كل ما أعرفه عنه وهذا جعلني على يقين من نقطتين ذكرتهما آنفا :
1- تقصيرنا ومسئوليتنا الشخصية في عدم البحث عن إنتاج مفكرينا والإطلاع على سيرهم الشخصية بأنفسنا .
2- لا يمكن تبرئة الإعلام من التقصير في تسليط الضوء على كثير من المفكرين والأدباء والشعراء العمالقة بينما يتحفنا بتفاصيل حياة المطربات والفنانات .
أنا سعيد بمنتدى البوخابور الذي وفرت لنا مشاركة أعضائه أمثال القيصر وأبو عمر معلومات عن علمين وعملاقين مثل الدكتور عبدالسلام العجيلي ومحمد الفراتي .
ونأمل أن نحظى بالمزيد .
شكرا لإبن الأخ ابو عمر
وشكرا لإبن الأخت القيصر.

القيصر
10-27-2010, 01:13 PM
مــــــــا لا نعــرفــــه عــــــن الفراتــــــي محمـــــــــــــــد الفـــــراتـــــــــــــي ... فلكــيــــــــــــاً


هو قامة الفرات الشامخة ، وهو الذاكرة التي لن ينساها التاريخ ، هو علم وادينا من أقصاه إلى أقصاه ، هو الحياة بفنونها المختلفة متجسدة في رجل واحد . الفرات تتفرد بنشر سلسلة من الموضوعات حول جوانب أُغفلت من حياة واهتمامات الفراتي ... تابعوها كل أحد القسم الثقافي
الشاعر محمد الفراتي ..شاعر الفرات ، كما عرفه الكثيرون ، يتكلَّم هذه المرة ، بلغة غير لغة الشعر ، إنها لغة الفلك ، التي دوَّن فيها أقواله ، في تفسير الآيات الكونية على أحدث النظريات الفلكية ،‏
الفرات : تنشر ولأول مرة دراسة حول المخطوط الذي تركه الفراتي ، مع ما نشره الفراتي من بحوث وأقوال في هذا المجال .‏
عندما تبحث في ثنايا التاريخ عن معلومات حول الرجال العظماء والأدباء والباحثين ، فإنك تُفاجأ كثيراً لما تصطدم به من ضحالة فيما يخصُّ هؤلاء العباقرة الأفذاذ من معلومات تتكلَّم عنهم وتخصهم وإنَّك في النهاية لن تجد إلا النـزر اليسير فيما يخصُّ كتاباتهم أو موروثهم العلمي الذي عُرفوا به .‏
وربما عرف الكثيرون من أبناء الفرات ، الأستاذ محمد الفراتي شاعراً من خلال قصائده المشهورة في الفرات الخالد و قلما تجد أحداً من أبناء هذا الوادي إلا ويحفظ شيئاً من هذه الشِّعر .‏
وقد عُرف باسم ( الفراتي ) لأنه كان يوقِّع قصائده عند نشرها بهذا الاسم عندما كان في مصر طالباً للعلم ، وقد اكتسبه من الرواق الشامي ، في الأزهر إذ كان ينسب نفسه إلى الفرات ، حتى غلب على اسمه الحقيقي ( محمد بن عطا الله بن محمود ) .‏
في هذه الدراسة ، لا نريد أن نتكلم عن الشاعر الفراتي بدراسة نقدية لشعره ، أو حياته وشعره ، فقد كتب عنه الكثيرون ، ولكن أحبُّ أن أسلِّط الضوء ، على جانب ربما يخفى على الكثيرين ، لأنه جانب خفيٌّ من جوانب حياته ، فكل الذين يعرفونه أو سمعوا به من خلال أشعاره التي انتشرت في وادي الفرات ومصر العراق ، عرفوه شاعراً متميِّزاً ومهتماً باللغة الفارسيَّة وآدابها ولم يعرفوه مهتماً بعلوم الفلك ، وما يحيط بها من قضايا التأمل، والتفكّر ، إلا المختصين منهم الذين رأوا في شعر الفراتي فلسفة كونية عظيمة ، لا ينطق بها أي إنسان ، إلا إذا كان مهتماً ، ومثقفاً بهذا العلوم المهمة .‏
الشَّاعر محمد الفراتي أحد هذه الشخصيات المهمة في وادي الفرات السوري الذي ملأ بشعره الآفاق شأنه شأن كثير من الشعراء الذين سبقوه أو عاصروه أو جاؤوا بعده ، شخصيَّة على شهرتها وانتشار صيتها في الأرجاء ، إلا أن الغموض يكتنفها من كلِّ اتجاه تحاول اقتحامه ، وحتى في الشعر الذي طغى على كلِّ معارفه وعلومه الأخرى ، فتراه مرة صافي النَّفس هادئاً ، وفي قصيدة أخرى ترى الغضب يتطاير بين سطور قصائده ، دائم التحليق ، في مدارج اللغة ، والفكر ، والتأمل ممتطياً صهوة " شيطانه الشعري " ، سابحاً به في ملكوت الفضاء الرحب ، متنقلاً بين الكواكب ، سابراً أغوارها ، يتحدث إلى عوالمها الغريبة ،المجهولة ،يلقي إليها من فيض روحه ،فتكلِّمه بما خبأته من خفايا كنوزها ، باحثاً عن الحقيقة التي أرَّقت فكر السابقين ، واللاحقين ، يشكُّ بكلِّ شيء يراه أمامه، مُتخذاً من منهجه هذا طريقاً إلى الهداية والنور ، موحِّداً بآلاء الله في الملكوت اللامنتهي ، مقراً بوحدانيته ، مؤمناً إيمان العارف ،المتبحِّر بخالق الأكوان .‏
الفراتي ، الشاعر المثقف ،المتأمل ، المفسِّر الفلكي ،الذي بلغ من الكبر عتياً ولم ينقطع عن التأمل والتفكِّر والبحث، فهل سمع أحد من قبل أنه كان يكتب في الفلك ، وله مقالات عديدة في هذا المجال ، وسجالات مع كثير ممن عاصروه ، حول قضايا فلكية ، كانت الدوريات والمجلات العربية ميداناً له ، ولأفكاره التي امتلأت بها ؟‏

وهل سمع أحد من قبل أن الفراتي كان منهمكاً في تفسير بعض الآيات الكونية ، مقارناً ما وصل إليه من نتائج ،مع أحدث النظريات الفلكيِّة الحديثة .‏
وهل حقيقة ما نُسب إليه من أنه كان عالماً بالفلك ? كما قال الدكتور حسين جمعة ? في حديثه عن الفراتي ، أم أن كلامه فيه الكثير من المبالغة ، وأن ما قيل عن علوم الفراتي الفلكيَّة محضُ أوهام لا حقيقة لها .‏
والمخطوط الذي حصلنا عليه / تفسير الآيات الكونية على أحدث نظريات علم الفلك / والموجود عند ابنه السيد ( طارق الفراتي ) والذي حصلنا على صورة من حفيده الأستاذ رعد آصف الفراتي الذي بادر مشكوراً بإطلاعنا عليه و عنده صورة منه وأحبَّ نشره رغبة في زيادة التعريف بهذا الجانب المجهول من حياة الشاعر الفراتي ، لأنه يتكلَّم عن تفسيره لبعض الآيات القرآنية معتمداً على ثقافته العالية في العلوم الفلكية واهتمامه بكلِّ جديد وحديث في عصره .‏
بدا الفراتي من خلال المخطوط / تفسير الآيات الكونية على أحدث نظريات علم الفلك / الذي بين أيدينا عارفاً معرفة جيدة وشاملة حول ما قدَّمه من خلال المعلومات الغزيرة والدقيقة في هذا المجال ، فهو يكتب كتابة منهجية وموسوعية ومرتبة ضمن ضوابط علمية ألزم بها نفسه ، وسنقارن ما ورد في المخطوط بما كتبه في الدوريات التي كان ينشر فيها موضوعاته التي تهتم بالتفسير والفلك ، وهي مجلة ( التمدن الإسلامي ) التي عُرف الفراتي من خلالها ،عالماً ، فلكياً ، متميزاً ، ومعروفاً بهذا الجانب من الكتابة من خلال مقدمة رئيس تحرير المجلة المذكورة، ورسالته للفراتي ، في مقدمة ردِّه على الأستاذ العابري في موضوع : ( السَّموات السَّبع والنظريات الفلكِّية الحديثة ) .‏
الفراتي والفلك :‏
كلُّ مَن كتب عن آثار الفراتي ، ومؤلفاته ذكر الدواوين الشِّعرية ، ثم نوَّه إلى ما تركه من مخطوطات عديدة ، عند أبنائه أو غيرهم ، ولم يأتِ ذكر لاهتمام الفراتي بالفلك، وكتابته في هذا المجال ، إلا النـزر اليسير متفرقاً بين ثنايا الكتب ، والمقالات التي تحدثت عن الفراتي ، فالأستاذ أحمد شوحان في كتابه ( محمد الفراتي شاعر وادي الفرات ) يذكر من بين مؤلفات الفراتي :‏
تفسير الآيات الكونية : وهو تفسير نفيس، للآيات التي تبحث عن الكون ، وما حوى من كواكب ونجوم ، ومجرات ، ضخمة ، قام الفراتي بتفسيرها تفسيراً علمياً ، يعتمد على علم الفلك ، وقابلها على أحدث نظريات علم الفلك الحديثة ، والكتاب لا يزال مخطوطاً ( ا . هـ ) .‏
ويورد الأستاذ عبد الفتاح قلعجة جي في مقالته ( ربابة الفرات ، الشاعر محمد الفراتي ) في مجلة عالم المعرفة السورية العدد / 516/ أيلول عام 2006 م ، ذكراً للمخطوط ولكن بعنوان مغاير هو " إعجاز القرآن " حيث يقول : " ساهم في تكوين شخصية الفراتي الثقافية عدة عوامل منها بيئته الفراتية الجميلة الهادئة والمحافظة ، وثقافته الدينية ، و الأدبية ذات الطابع الأزهري ، ودراسته لعلم الهيئة ? الفلك ? وقد استفاد منها في دراسته للقرآن الكريم في كتابه " إعجاز القرآن " في الآيات الكونية وتطبيقها على النظريات الفلكية ، وقد كان لاهتمامه بالدراسات الفلكية القديمة ، والحديثة ، تأثير في اتجاهات إبداعه الشعري ( ا . هـ ) .‏
و الدكتور حسين جمعة ( رئيس اتحاد الكتاب العرب ، مثلاً يشير إلى ذلك بإشارة بسيطة في دراسته عن الفراتي في قصيدته " الكوميدية الإلهية " حيث يقول في شرحه لأحد أبيات القصيدة :‏
وعلَّمني سرَّاً ، وقال به ترى وتسمع ما يخفى عليك وتفهم ُ‏
" فاغتبط الشاعر ، عالم الفلك ، بما عرفه ، وتوصَّل إليه مما كان يبتغيه ويتشوَّق إليه ، وفي مكان آخر ، يقول مرة أخرى : لقد كان الفراتي الشاعر الفلكي مشغولاً بالمراصد الفلكية وبما فيها من مناظير وتلسكوبات ، ولذلك أعجب بدقة صنع هذه الأجهزة وجمالها .‏
( مجلة المعرفة السورية ، الشاعر محمد الفراتي في الكوميديا الإلهية ، د . حسين جمعة ص 230" وفي نهاية المقال عندما يصل د . حسين جمعة إلى عنوان وضعه الفراتي " مَن أنا ومن أين جئت " ... يقول : " تجاوزناها لكونها وصفاً علمياً للمراصد الفلكية الكونية و لنوع من العدسات الموشورية والمحدبة و للتيلسكوبات التي أُولع بها الشاعر الفلكي ا . هـ المرجع ذاته ص 246 " .‏
ومن بين الذين كتبوا عن الفراتي كتابة منهجية أكاديمية موثَّقة ودقيقة الدكتور شاهر امرير في كتابه القيِّم ( الفراتي ، حياته وشعره) حيث قال : " ترك مخطوطات عديدة ، يوجد قسم منها لدى الدكتور (ابراهيم الكيلاني ) وقسم آخر لدى أبنائه " ثم يجعل في الحاشية قوله " أرسل لي الدكتور رسالة عبر الأديب نصر الدين البحرة رداً عن سؤالي عن هذه المخطوطات ، تفيد أن كلَّ ما لديه من مخطوطات الفراتي آلَ إلى ( صالح البربندي ) بناءً على طلب زوجة الفراتي" .‏
وللفراتي آراء خاصة في هذا المجال ففي إجابته عن السؤال الذي وُجِّه إليه هل صحيح بأنك من مواليد 1890م ؟ أجاب قائلاً : أنا لا أقبل إلا التاريخ القمري ، لأنه تاريخ العرب ، وإن كانت السنة الشمسية هي الصحيحة فلكياً ، وأنا أفضِّل أن يكون عمري عربياً ... ( من حوار بينه وبين الشاعر عبد المنعم الرحبي ) .‏
وفي حوار نادر لفاتح المدرِّس مع الفراتي يقول فيه : " أصبحت لا أنظر إلى ظواهر الأمور ، دون أن أتحرى الحقائق التي وضع نظامها الدقيق في هذا العالم ، هذه هي نظرتي من ذلك الوقت ، ما كنت أقتصر على ما أراه في هذه الكواكب ، الذي يجهل جماله الساحر أكثر سكانه ، هذه الكواكب ، لا أعرف و لا يعرف كل من درس العوالم التي تحيط بنا ، لا أعرف أجمل منه ، و لا ألطف ، لأن كل ما توصل إليه العلم ، إلى الآن هو رؤية الكواكب السيارة ، رؤية مظاهرها فقط لما فيها من جمال ، لذا المجهول عدم ، . وما دام العلم إلى الآن ، أو علماء الفلك خاصة ، ما توصلوا أو اكتشفوا اكتشافاً صحيحاً غير القمر .‏
وفي سؤال آخر : هل يمكن للمكان أن يحتوي الزمان ؟ أجاب الفراتي : " المكان ، مثلاً الكرة الأرضية ? هذا الكوكب فهو متحرك بحركة يومية ، يقطع فيها على نفسه / 27 / كيلو متراً في الدقيقة الواحدة ، نتيجة الليل والنهار ، ويقطع حول الشمس ، في حركته السنوية / 1500 / كم في الدقيقة وينتج منها الفصول الأربعة ، وأما الحركة الثالثة ، ولا يعرفها إلا الأقل من القليل ممن يشتغلون في علم الفلك ، هي الحركة الثالثة ، حركة الشمس حول مركز المجرة ، هي وبناتها ، أي السيارات أخوات الأرض ، تتحرك مع أمها الشَّمس بالثانية الواحدة من / 30 ألف كم / و لا تتم دورتها حول المركز إلا إذا تحركت الأرض حولها / 300,000,000دورة / الدورة سنة / وبإجماع أكثر علماء الفلك ، ويؤيدهم الحديث عن الرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم " أن الأرض من حين وجودها دارت حول المركز ستّ دورات ونصف ، يقول الحديث الشريف : " خلق الله الأرض على سبعة آماد " دورة " جاء آدم على رأس الأمد السابع " . / ا . هـ / ( جريدة الثورة ، العدد / 12893/ كانون الأول 2005 م .‏
ومن غير المعروف أين درس الفراتي علم الفلك ، فهو لم يصرِّح بذلك ، ولم يُذكر عن أحد قولٌ ، أو نقلَ كلاماً بهذا الشأن ، سوى بعض الأقوال الشفويّة التي تؤكِّد دراسة الفراتي لعلم الهيئة ? الفلك ? في مصر لمدة ثلاث سنوات قبل التحاقه بالأزهر لدراسة العلوم الشَّرعية ، ولكن للأسف ، لا يوجد ما يوثِّق هذا القول سوى ما ذكره الأستاذ عبد الفتّاح القلعةجي في مقالته الآنفة الذكر ( ربابة الفرات ، الشاعر محمد الفراتي ) ومن الأرجح أن يكون قد تعلَّم علم الفلك بمفرده إذ أنه ليس من الصَّعب على مَن يتعلَّم اللغة الفارسية لوحده و يترجم أشعار كبار الكتَّاب الفرس ونثرهم ، أن يتعلَّم علماً بمفرده وخصوصاً ما عُرف عنه من الذكاء والحافظة السَّريعة .‏
وسنتكلم في الدراسة القادمة والتي ستنشر تباعاً في جريدة الفرات عن الموضوعات التي كتب فيها الشّاعر الفراتي في علم الفلك والمجلات التي كان ينشر بها موضوعاته والحوارات التي تمّت بينه وبين علماء عصره في بعض القضايا الفلكية .‏