عمرية مغتربة
05-31-2009, 11:50 PM
تربية الأبناء(أعاقبك لأنني أحبك))
عبارة قد تختصر مشكلة أطفال ومراهقين يجدون أنفسهم أسرى مفهوم سوسيولوجي واجتماعي وتربوي يتيح معاقبتهم تعسفياً ويشرّع الاعتداء عليهم، ضرباً وكلاماً. فمعاقبة سوء التصرف أو مخالفة الأوامر العائلية قد تُختصر بـ «قصاص» بسيط... كما قد تتحول وسيلة لضربهم وتعنيفهم بطريقة او بأخرى.
فتربية الأبناء والبنات تفترض تعليمهم التفريق بين الخير والشر، وإفهامهم دواعي سلوك الصواب، بإتباع أوامر الأهل وعدم خرق القواعد التي يضعونها. إلا أن هذه الوسيلة التربوية المتوافرة للأهل والمربّين قد تتحول وسيلة قمع تؤذي الولد جسدياً ونفسياً إذا تخطّت حدوداً معينة... لا يرسمها سوى حسن تقدير الوالدين وإدراكهما.
فالمطلوب تلقين الولد مبادئ النظام بشكل إيجابي، ليتم إطلاعه على ما هو مسموح به، وما هو ممنوع عنه، على أن يكون العقاب ثمن خرقها، خصوصاً أن الولد يحتاج إلى أن يشعر بأنه يحاسب على تصرفاته.
عنف الحضارات السابقة
الحضارات القديمة أتاحت استعمال العنف الجسدي ضد الأولاد والراشدين على حد سواء. فالعصا والكرباج كان استخدامهما سائداً في كل من اليونان ومصر الفرعونية وإسبرطة. وفي العصر الحديث، اكتُشفت مساوئ هذه الممارسات، أفعالا ونتائج... حتى أتى البند التاسع عشر من شرعة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، محدداً ضرورة السعي إلى حماية الأطفال من كل أنواع العنف الجسدي والذهني، كما الأذى والاستغلال وسوء المعاملة. وحدد الأمر بعدد من الدول (17 دولة) إلى نبذ كل أنواع العنف ضد الصغار، بدءاً بالسويد عقاب جسدي ضد الأولاد. وسبقتها بولندا في تحريم استعمال العقاب الجسدي في مدارسها،.
وكان العنف راسخاً في الذهنية الاجتماعية كوسيلة مقبولة ومسموح بها للتعليم، بهدف تهذيب الولد وتلقينه المبادئ الصالحة. ولم تبدأ المجتمعات الغربية في البحث في مساوئه إلا في نهاية القرن الماضي... بينما لا تزال هذه الممارسات مقبولة في بعض المجتمعات.
صوابية العقاب؟
هل العقاب صائب؟ سؤال يراود فكر الكثير من الأهل خصوصاً عندما يواجهون «حالات مستعصية» تجعل العقاب من دون نتيجة ولا يردع عن سوء التصرف.
ويقول علماء النفس إن فوائد العقاب لا تبرز إلا في حال تقديم خيارات أخرى للولد... من بينها العقاب، إذ أن الولد الذي يعاقب ضرباً مثلاً... سيتعلم تفادي التصرف الخاطئ فقط أمام من عاقبه.
ويكشف بعض الخبراء أن وضع الولد أمام خيارات عدة يجعله يقتنع بأنه صاحب القرار. فيُقال له مثلاً: تريد تنظيف أسنانك قبل ارتداء ثياب النوم او بعده؟... ويجب جعل الولد يستخلص وحده نتائج سوء تصرفه. فثياب البحر الرطبة ستبقى رطبة إذا أراد ارتداءها صباح اليوم التالي اذا لم ينشرها. ويفضَّل حث الولد على التزام القواعد المنزلية بالهدوء والمزاح، إضافة إلى أهمية تفسير نتائج سوء تصرفه وخرق القواعد المنزلية او العائلية المفروضة بوضوح تام، من مثل إيضاح لماذا لا يحق له الرسم على الجدار، وأين يحق له الرسم.
أما عقاب «الزرب» (الذي يشبه الحبس)، بحيث يوضع الولد في غرفته مثلاً او بعيداً من الأنظار أو يمنع عنه الكلام، فهو مؤذ، وإن كان بنسبة أقل من عقاب الضرب، لأنه يحرم «المزروب» (أو المحبوس) من وسيلة حتمية للتعبير عن نفسه، ويجعله يشعر بأن ما من أحد يهتم لأمره أو يحبه.
والدان مسؤولان
العقاب يقع إذا على عاتق الوالدين معاً أو احدهما، ما يحتّم تمتعهما بدرجة عالية من الإدراك والوعي، خصوصاً إن الشعور بالذنب قد يخالجهما في ما بعد. فالوالدان اللذان يضربان ولدهما يعانيان عقدة نفسية ما، تدعهما يتخطيان الحدود المسموح بها في التربية، خصوصاً إن أسلوب تربيتهما يجعل الولد يقتنع بأن العنف هو وسيلة مقبولة اجتماعياً ومرحب بها للتعامل مع الغير.
من هنا ضرورة إفهام الولد نتائج سوء سلوكه. فلا تتم معاقبته مثلاً إذا أوقع كوب الحليب خطأ، وينبغي إطلاعه على ان نتيجة وصوله متأخراً إلى العشاء سيحرمه منه... أو أن عدم وضع الثياب المتسخة في المكان المخصص لها سيحول دون غسلها... شرط تطبيق القرار بشكل حازم وعدم التراجع عنه.
وعلى الوالدين أن يأخذا في الاعتبار قدرة الولد على استيعاب التصرف الخاطئ الذي ارتكبه نسبة إلى عمره، وأن يتصرّفا بشكل لا يخالف ما يسألونه عنه. فلا يطالبانه بضبط أعصابه، بينما يصرخان في وجهه بشكل هستيري ليرتب غرفته.
أما النتائج المستقبلية لإخضاع الأولاد للعقاب فتبدو حتمية، بإجماع دراسات ميدانية كثيرة، خصوصاً الدراسة السنوية التي تصدرها منظمة «يونسكو» حول العنف في التعليم. فالولد او المراهق الذي يتعرض لعقاب قاس في طفولته ينمو لديه تصرف عدائي وعنيف ولا اجتماعي في ما بعد. ويشعر بأنه يفتقد إلى المساعدة وبانعدام ثقته بنفسه، وبينه وبين أهله.
فهل يكفي شعور الأهل بالذنب للتخفيف من خطورة القصاص القاسي؟
عبارة قد تختصر مشكلة أطفال ومراهقين يجدون أنفسهم أسرى مفهوم سوسيولوجي واجتماعي وتربوي يتيح معاقبتهم تعسفياً ويشرّع الاعتداء عليهم، ضرباً وكلاماً. فمعاقبة سوء التصرف أو مخالفة الأوامر العائلية قد تُختصر بـ «قصاص» بسيط... كما قد تتحول وسيلة لضربهم وتعنيفهم بطريقة او بأخرى.
فتربية الأبناء والبنات تفترض تعليمهم التفريق بين الخير والشر، وإفهامهم دواعي سلوك الصواب، بإتباع أوامر الأهل وعدم خرق القواعد التي يضعونها. إلا أن هذه الوسيلة التربوية المتوافرة للأهل والمربّين قد تتحول وسيلة قمع تؤذي الولد جسدياً ونفسياً إذا تخطّت حدوداً معينة... لا يرسمها سوى حسن تقدير الوالدين وإدراكهما.
فالمطلوب تلقين الولد مبادئ النظام بشكل إيجابي، ليتم إطلاعه على ما هو مسموح به، وما هو ممنوع عنه، على أن يكون العقاب ثمن خرقها، خصوصاً أن الولد يحتاج إلى أن يشعر بأنه يحاسب على تصرفاته.
عنف الحضارات السابقة
الحضارات القديمة أتاحت استعمال العنف الجسدي ضد الأولاد والراشدين على حد سواء. فالعصا والكرباج كان استخدامهما سائداً في كل من اليونان ومصر الفرعونية وإسبرطة. وفي العصر الحديث، اكتُشفت مساوئ هذه الممارسات، أفعالا ونتائج... حتى أتى البند التاسع عشر من شرعة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، محدداً ضرورة السعي إلى حماية الأطفال من كل أنواع العنف الجسدي والذهني، كما الأذى والاستغلال وسوء المعاملة. وحدد الأمر بعدد من الدول (17 دولة) إلى نبذ كل أنواع العنف ضد الصغار، بدءاً بالسويد عقاب جسدي ضد الأولاد. وسبقتها بولندا في تحريم استعمال العقاب الجسدي في مدارسها،.
وكان العنف راسخاً في الذهنية الاجتماعية كوسيلة مقبولة ومسموح بها للتعليم، بهدف تهذيب الولد وتلقينه المبادئ الصالحة. ولم تبدأ المجتمعات الغربية في البحث في مساوئه إلا في نهاية القرن الماضي... بينما لا تزال هذه الممارسات مقبولة في بعض المجتمعات.
صوابية العقاب؟
هل العقاب صائب؟ سؤال يراود فكر الكثير من الأهل خصوصاً عندما يواجهون «حالات مستعصية» تجعل العقاب من دون نتيجة ولا يردع عن سوء التصرف.
ويقول علماء النفس إن فوائد العقاب لا تبرز إلا في حال تقديم خيارات أخرى للولد... من بينها العقاب، إذ أن الولد الذي يعاقب ضرباً مثلاً... سيتعلم تفادي التصرف الخاطئ فقط أمام من عاقبه.
ويكشف بعض الخبراء أن وضع الولد أمام خيارات عدة يجعله يقتنع بأنه صاحب القرار. فيُقال له مثلاً: تريد تنظيف أسنانك قبل ارتداء ثياب النوم او بعده؟... ويجب جعل الولد يستخلص وحده نتائج سوء تصرفه. فثياب البحر الرطبة ستبقى رطبة إذا أراد ارتداءها صباح اليوم التالي اذا لم ينشرها. ويفضَّل حث الولد على التزام القواعد المنزلية بالهدوء والمزاح، إضافة إلى أهمية تفسير نتائج سوء تصرفه وخرق القواعد المنزلية او العائلية المفروضة بوضوح تام، من مثل إيضاح لماذا لا يحق له الرسم على الجدار، وأين يحق له الرسم.
أما عقاب «الزرب» (الذي يشبه الحبس)، بحيث يوضع الولد في غرفته مثلاً او بعيداً من الأنظار أو يمنع عنه الكلام، فهو مؤذ، وإن كان بنسبة أقل من عقاب الضرب، لأنه يحرم «المزروب» (أو المحبوس) من وسيلة حتمية للتعبير عن نفسه، ويجعله يشعر بأن ما من أحد يهتم لأمره أو يحبه.
والدان مسؤولان
العقاب يقع إذا على عاتق الوالدين معاً أو احدهما، ما يحتّم تمتعهما بدرجة عالية من الإدراك والوعي، خصوصاً إن الشعور بالذنب قد يخالجهما في ما بعد. فالوالدان اللذان يضربان ولدهما يعانيان عقدة نفسية ما، تدعهما يتخطيان الحدود المسموح بها في التربية، خصوصاً إن أسلوب تربيتهما يجعل الولد يقتنع بأن العنف هو وسيلة مقبولة اجتماعياً ومرحب بها للتعامل مع الغير.
من هنا ضرورة إفهام الولد نتائج سوء سلوكه. فلا تتم معاقبته مثلاً إذا أوقع كوب الحليب خطأ، وينبغي إطلاعه على ان نتيجة وصوله متأخراً إلى العشاء سيحرمه منه... أو أن عدم وضع الثياب المتسخة في المكان المخصص لها سيحول دون غسلها... شرط تطبيق القرار بشكل حازم وعدم التراجع عنه.
وعلى الوالدين أن يأخذا في الاعتبار قدرة الولد على استيعاب التصرف الخاطئ الذي ارتكبه نسبة إلى عمره، وأن يتصرّفا بشكل لا يخالف ما يسألونه عنه. فلا يطالبانه بضبط أعصابه، بينما يصرخان في وجهه بشكل هستيري ليرتب غرفته.
أما النتائج المستقبلية لإخضاع الأولاد للعقاب فتبدو حتمية، بإجماع دراسات ميدانية كثيرة، خصوصاً الدراسة السنوية التي تصدرها منظمة «يونسكو» حول العنف في التعليم. فالولد او المراهق الذي يتعرض لعقاب قاس في طفولته ينمو لديه تصرف عدائي وعنيف ولا اجتماعي في ما بعد. ويشعر بأنه يفتقد إلى المساعدة وبانعدام ثقته بنفسه، وبينه وبين أهله.
فهل يكفي شعور الأهل بالذنب للتخفيف من خطورة القصاص القاسي؟